الثلاثاء: 2006.11.07

بنيت ريكاردسون

من بين الخيوط الجديدة التي تضاف إلى قصة كوريا الشمالية النووية، تصاعد الجدل حول تطلعات مماثلة لدى جارتها اليابان، وتحول ذلك الجدل إلى قضية محورية، لاسيما مع استمرار شخصيات سياسية بارزة من الحزب quot;الليبرالي الديمقراطيquot; الحاكم، في إثارة هذا الموضوع. ذلك أنه كثرت مطالبة quot;شويشي ناكاجواquot;، رئيس مجلس quot;أبحاث السياساتquot;، بإدارة حوار حول هذا الموضوع. وكانت آخر مطالباته هذه، دعوته يوم الأحد الماضي، إلى مناقشة التسلح النووي، كخيار بين الخيارات الأمنية المحتملة. وقد جاءت هذه المطالبة في أعقاب تصريحات صادرة الأسبوع الماضي، تؤكد عدم ميل الدستور الياباني المسالم لخيار التسلح النووي. وليس ذلك فحسب، بل لقد أثار quot;تارو إيسوquot; وزير الخارجية الياباني، قلقاً مشابهاً، بمعارضته لوجهة الحزب quot;الليبرالي الديمقراطيquot; الحاكم، ومطالبته بإجراء حوار حول الخيار النووي. غير أن من رأي خبراء الأمن، أنه لا طائل يذكر من وراء الأسلحة النووية بالنسبة لطوكيو، سواء كان ذلك من الناحية السياسية أم العسكرية. ولذلك فإن التصريحات الأخيرة هذه، ليست سوى نوع من الضجيج ودق الطبول. ومع ذلك فإن استمرار الحوار العام حول هذا الأمر، إنما يعمق الشعور بالقلق إزاء مهددات الأمن الإقليمي، في الأوساط السياسية quot;المحافظةquot; اليابانية.

وهناك من يرمي هذا المنحى التحذيري المطالب بتطوير السلاح النووي، بالخطأ الفادح المستمر والمتكرر دوماً. من هؤلاء quot;شونجي توكاquot;، الكاتب المتخصص في الشؤون الدفاعية، والأستاذ السابق بجامعة quot;تسوكوباquot;. وكما جاء في تعليقه: فإن أحد العوامل الرئيسية في إثارة الاعتراض على تطوير اليابان للأسلحة النووية، هو صغر مساحتها، التي تلغي مبدأ الدمار المتبادل من أساسه. فالحقيقة أن مواقع التمركز السكاني الياباني، تغدو أكثر ترجيحاً وعرضة للإزالة التامة من الوجود، بضربة نووية واحدة، لا أكثر. ثم يمضي مضيفاً القول: كما يخطئ صناع السياسات الداعون إلى تطوير السلاح النووي، بإغفالهم لاعتبار آخر مهم، ألا وهو استبعاد إذعان من يضعون أصابعهم على الزر النووي في بيونج يانج، لمنحى عقلاني كهذا. فالحقيقة أن مبدأ الردع النووي، لن يؤدي غرضه مع خصم لا عقلاني. ثم إنه من غير المرجح أن ينجح في تجنيب اليابان لأي ضربات أخيرة يائسة، موجهة إليها من نظام سياسي يحتضر في الجارة بيونج يانج.

وعلى رغم مسارعة رئيس الوزراء الياباني، quot;شينزو آبيquot; إلى نفي ما يدور من حديث عام، حول احتمال تخلي اليابان عن تقليدها السياسي المعادي للسلاح النووي، فإن الحجج الداعية لمناقشة هذا الأمر وإدارة حوار عام حوله، لا تفتأ تطل برأسها من حين لآخر، في الأوساط السياسية اليابانية. والشاهد أن عمر هذه المطالبة النووية، إنما يعود إلى عدة عقود خلت. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هناك ثلاثة رؤساء وزراء يابانيين سابقين، أثاروا هذا الموضوع. ففي عام 1969، أوصى تقرير رسمي بتطوير الأسلحة النووية، غير أنه لم تتخذ أية إجراءات عملية لاحقة له. كما كشفت وثائق رفعت عنها السرية مؤخراً، عن نجاح رئيس الوزراء الياباني السابق، quot;إيزوكي ساتوquot;، في التحايل على الولايات المتحدة الأميركية، وحملها على تمديد مظلتها النووية في بلاده، على إثر نجاح الصين في إجراء اختباراتها النووية، وذلك بتأكيده استعداد بلاده لصنع القنبلة النووية. والمعلوم أن المظلة النووية الأميركية، تضمن لليابان قدرتها الدفاعية في حال تعرضها لهجوم نووي. ولذلك فهي تحرمها من تطوير التكنولوجيا النووية الخاصة بها.

والشاهد أن في هذه التعليقات الأخيرة، انعكاساً لصدى ما قال به كل من رئيس الوزراء الأسبق، quot;ياساهيرو ناكاسونيquot;، وزعيم المعارضة الحالي، quot;إيشيرو أوزواquot;. وأظهر استطلاع للرأي أجري في عام 2003، ميل واحد بين كل خمسة مشرِّعين يابانيين، إلى القول بأنه يتعين على اليابان تطوير قدراتها النووية، فيما لو سمحت البيئة السياسية الإقليمية بذلك. ولليابان من المواد والمعرفة العلمية، ما يمكنها من صنع قنبلتها النووية. ذلك أن لتقنيتها النووية السلمية فائضاً من المفاعلات المنتجة للبلوتونيوم. ومن المعلوم أنه في الإمكان تحويل هذه المادة إلى سلاح نووي، عن طريق تقنيات، يرجح توفرها في القدرات اليابانية. ولهذا السبب، فإنه يمكن حساب الفجوة الزمنية الفاصلة بين اتخاذ قرار ياباني بالتحول نحو التسلح النووي، والتصنيع الفعلي للقنبلة النووية، بالشهور وليس بالسنوات.

أما على الصعيد الأميركي، فيبدو أن مواقف المحللين الأمنيين متباينة حول هذا الأمر. فمن جانبه يرى quot;براد جلوزرمانquot;، من منتدى quot;الدراسات الباسيفيكيةquot;، بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في هاواي، أن من شأن السلاح النووي، إلحاق دمار هائل بالمصالح الأمنية اليابانية، إضافة إلى زعزعة أمن منطقة شرق آسيا بأسرها، بما يحمل من مهددات للتحالف الأميركي- الياباني. بيد أن هنالك من المحللين الأميركيين من يرى أن في وسع اليابان النووية، أن تبرز كقوة رادعة موازية للثقل النووي الكوري الشمالي الهائل.

ومع دنو عقد انتخابات المجلس الأعلى الياباني في العام المقبل، فإن من المرجح أن يتجنب quot;شينزو آبيquot;، رئيس الوزراء الياباني، إثارة غضب الطابع السلمي العام لليابانيين، ومعارضتهم القوية للتسلح النووي. فلا يزال بعض ضحايا كارثة quot;هيروشيماquot; وquot;ناجازاكيquot; يحملون ندوب وقروح الهجوم النووي عليهم، في حين لم تزل بعد الكوابيس والتداعيات الأخلاقية الناجمة عن ذلك القرار الأميركي باستخدام القنبلة النووية، تسكن وجدان جيل كامل من اليابانيين حتى الآن.

أما من الناحية التشريعية، فإنه يتحتم على اليابان إما الانسحاب من أو انتهاك حزمة من المعاهدات الدولية الملزمة لها، بما فيها بالطبع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وفي ذلك ما يفرض عزلة دولية عليها، إضافة إلى ترجيح تقويضه لطموحاتها طويلة الأمد، في الحصول على عضوية دائمة لها في مجلس الأمن الدولي.