سميح صعب


من الغرق في العراق وأفغانستان الى الغرق في الفساد، دفع الجمهوريون في الولايات المتحدة ثمن أخطاء رئيسهم جورج بوش وأخطاء الكثير من قيادييهم الذين بالغوا في الغطرسة، حتى قال الناخبون كلمتهم في ادارة يحاصرها الفشل من كل جانب.
وأهم الدروس المستقاة من هزيمة الجمهوريين هو كسر حاجز الخوف الذي نجح بوش في وضع الاميركيين في اطاره منذ هجمات 11 ايلول 2001، فباتوا أسرى التهويل عليهم بهجمات مماثلة. ووصل به الامر الى اتهام الديموقراطيين بأنهم عاجزون عن المضي في محاربة الارهاب، كما يفعل هو، وتاليا فان انتخابهم يعني تعريض الامن الاميركي للخطر.

لم يترك بوش وسيلة الا استخدمها من أجل دفع الاميركيين الى التصويت بجانب الجمهوريين. لكن هذا أعطى مفعولا عكسيا بحيث هُزم مرشحون ساندهم الرئيس بينما نجح جمهوريون نأوا بأنفسهم عنه مثل ارنولد شوارزنيغر في حاكمية ولاية كاليفورنيا. والمفارقة هي انه في الانتخابات النصفية عام 2002 كان ثقل الرئيس هو الذي أعطى زخما للمرشحين الجمهوريين الى عضوية الكونغرس.
وحتى القول ان الديموقراطيين لا يملكون خطة في العراق، لم تحرك الوتر الحساس لدى الناخبين الذين تبين انهم فقدوا الثقة تماما بكل ما يقوله بوش، وباتوا اكثر تعلقا بمن يتحدثون عن ضرورة وضع جدول زمني للانسحاب من العراق، او على الاقل الاعتراف بأن الامور لا تحقق تقدما وفق ما هي سائرة اليوم.

أما وقد حصلت الانعطافة بالهزيمة الساحقة للجمهوريين، فلم يعد في وسع بوش الادعاء أنه يملك تفويضا لشن الحروب، اينما كان، وكيفما كان، بعدما تحولت الانتخابات النصفية استفتاء على سياساته في العراق وعلى حربه المعلنة على الارهاب.

صحيح ان ديموقراطيين في الكونغرس كانوا من بين من فوضوا الى بوش استخدام القوة في العراق، ولكن بما ان النتائج أتت كارثية، فان هؤلاء باتوا أكثر الحاحا على ضرورة quot;تغيير المسارquot;.
صحيح ان الديموقراطيين لن يسارعوا الى المطالبة بانسحاب سريع للقوات الاميركية من العراق، لكنهم على الاقل يتحدثون عن ضرورة وضع جدول زمني قد يشكل بداية لاستراتيجية الانسحاب من المستنقع العراقي، في حين ان بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع المستقيل دونالد رامسفيلد كانوا يرفضون كلمة انسحاب.

ولأن المشهد السياسي المتغير في العراق فرض على رامسفيلد الاستقالة، فان شيئا ما يجب أن يتغير في سياسة بوش هناك، والا فان فوز الديموقراطيين سيكون محققا في الانتخابات الرئاسية سنة 2008، بعدما بدا ان الناخبين أرادوا معاقبة الجمهوريين بسبب الحرب وفضائح الفساد أكثر منه لتعلقهم بالديموقراطيين.
وتشكل توصيات لجنة بايكر ndash; هاملتون فرصة لبوش كي يقدم على التغيير في العراق، ويتخلى عن الكثير من الشعارات غير الواقعية التي بات أسيرا لها. وليس هناك من شك في ان الناخبين بعثوا اليه برسالة واضحة هي الحاجة الى quot;تغيير المسارquot;.


وليس التغيير مطلوبا في العراق وحده، بل هو مطلوب ايضا حيال عملية السلام في المنطقة. وكما استعان بوش بلجنة بايكر ndash; هاملتون للخروج من الطريق المسدود في العراق، فان المطلوب لجنة اخرى تملي توصيات على بوش من أجل احياء العملية السلمية التي أدى موتها الى الحرب الاسرائيلية على لبنان، والى تصعيد اسرائيل حربها على الفلسطينيين، في حين لا يؤمن عدم انفجار الوضع برمته مع تزايد الحرص الاسرائيلي على ضرورة استعادة الدولة العبرية هيبة الردع التي فقدتها في الحرب الاخيرة.
ومن فلسطين الى لبنان فالعراق فأفغانستان، سياسة اميركية ثبت فشلها. فهل فهم بوش رسالة الناخبين؟