جورج الراسي

لم يكتشف المغاربة مدى تغلغل الحركات الاصولية والجهادية والتكفيرية في البلاد، وفي أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الكبرى على وجه الخصوص، إلا في 16 أيار 2003 حين شنّت مجموعة من 14 انتحارياً خمسة هجومات متزامنة في عدة أمكنة من مدينة الدار البيضاء، بينها واحد ضد منتدى تابع للطائفة اليهودية فجرّ فيه أربعة انتحاريين أنفسهم. ولم ينجُ من مجموع المهاجمين سوى ثلاثة في حين ذهب ضحية هذه العمليات 45 شخصاً. وتبيّن فيما بعد ان كافة quot;الجهاديينquot; هم من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة، ممن يعيشون في مدينة الصفيح quot;سيدي مومنquot; احدى ضواحي العاصمة الاقتصادية للمملكة الدار البيضاء. واتضح كذلك انهم من المهمّشين الذين لفظهم النظام التربوي ويعتاشون من الأعمال الصغيرة لسد رمقهم.
حتى ان quot;سيدي مومنquot; أصبحت على كل شفة باعتبارها نموذجاً لخزانات الإرهاب، وبدأت الدوائر الأميركية تخصّها منذ ذلك الوقت بالدراسات والتحليلات. فهي بيئة نموذجية لإنتاج جماعات quot;الحرّاقةquot; كما تُسميهم العامة، أي الذين هم على استعداد quot;لإحراقquot; أي شيء.
واكتشف المغاربة كذلك وجود جماعة منظّمة تُطلق على نفسها اسم quot;السلفية الجهاديةquot;، كانت قد حاولت قبل ذلك في أيار 2002، أي قبل عام بالضبط على تفجيرات الدار البيضاء، شنّ هجمات ضد اليهود، واستهداف أماكن سياحية، وتنفيذ عمليات ضد البواخر والسفن الحربية الأميركية التي تعبر مضيق جبل طارق. لكن قوات الأمن استطاعت في ذلك الوقت تفكيك الخلايا النائمة قبل ان تنتقل إلى تنفيذ مخطط العمليات. وكشفت التحقيقات المتتابعة ان العناصر التكفيرية المنخرطة في quot;السلفية الجهاديةquot; لها امتدادات خارجية عديدة تراوح بين quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; في الجزائر، والملا عمر زعيم حركة طالبان في أفغانستان، وأبو مصعب الزرقاوي في العراق. لا بل انها حصلت على مباركة اسامة بن لادن شخصياً، وانه كان من المقرر ان تتزامن تفجيرات الدار البيضاء مع تلك التي حصلت في السعودية في 12 أيار من العام نفسه. وصدرت فيما بعد أحكام قاسية بحق أعضاء quot;السلفية الجهاديةquot; بينها عشرة أحكام بالإعدام، وثمانية بالسجن المؤبد، وسبعة بالسجن لمدة عشرين سنة. وشنّت السلطات حينها حملة اعتقالات واسعة شملت نحو أربعة آلاف شخص ينتمون إلى شتى الأطياف الإسلامية، وتم تقديم 700 من بينهم امام المحاكم. وأشد ما اثار الاستغراب وجود فتاتين توأمين عمرهما 13 سنة في صفوف السلفية، اضافة إلى quot;الأمير ذي العيون الزرقاءquot; بيار ريشار دوبير، وهو فرنسي عمره 31 عاماً، حارب في أفغانستان، وأشهر إسلامه في تركيا قبل عشر سنوات، وتزوج فتاة من طنجه واستقر في مدينة فاس. ومن الاكتشافات الاخرى التي أظهرتها التحقيقات ان نحو 150 مغربياً التحقوا بصفوف القاعدة في العراق، وشكّلوا المجموعة المغاربية الثانية من حيث الأهمية بعد المجموعة الجزائرية.
وتبيّن ايضاً ان أكثر من الثلثين هم من المهاجرين المغاربة في أوروبا. لكن أخطر ما أظهرته التحقيقات هي العلاقة مع الجماعة السلفية في الجزائر. فقد أوقفت قوات الأمن مؤخراً 19 عضواً في خلية تابعة للسلفية الجهادية في مدينة سلا قرب الرباط ـ بينهم 7 من القاصرين ـ تبيبّن ان نصفهم سلّمتهم الشرطة الجزائرية بعد ان ألقت القبض عليهم وهم يحاولون عبور الحدود للالتحاق بقواعد الجماعة السلفية الجزائرية.
الحركة الجهادية الثانية في المغرب التي اكتشفتها السلطات وفككتها في مطلع شهر آب الماضي تُطلق على نفسها اسم quot;أنصار المهديquot; دون ان يكون لها أي توجه شيعي. وقد تم توقيف نحو خمسين شخصاً بينهم زوجتا طيارين يعملان في الخطوط الجوية الملكية، وعناصر عسكرية تعمل في الجيش والدرك والشرطة الأمر الذي اعتبر سابقة خطيرة، وكان السبب الرئيسي وراء الإطاحة بالجنرال محمد بلبشير مسؤول الأمن العسكري (المكتب الخامس)، زعيم التنظيم الجديد حسن خطاب ولقبه quot;أبو اسامةquot; ـ 33 عاماً ـ هو أحد قدامى السلفية الجهادية. متزوج وله ولدان ويعمل بالتجارة ولديه محل لبيع الاعشاب في سلا. وقد افتتح quot;دار القرآنquot; لكي يختار أعضاء حركته من بين طالبي العلوم الشرعية. وقد أقام خلايا في عدة مدن، وعيّن أميراً على كل واحدة. وانعقد اللقاء الأول لأفراد التنظيم في مدينة سيدي يحيى (130 كلم شمال الرباط). وهم من الناس العاديين الذين يعملون في شتى المهن. وقد أسس جناحاً عسكرياً وتم اختيار غابة في ضواحي مدينة الناضور شمال البلاد لكي تكون قاعدة للتأهيل العسكري. وقد أعلن وزير الداخلية المغربي شكيب بن موسى أمام لجنة تحقيق برلمانية ان quot;أنصار المهديquot; بلغوا مرحلة متقدمة جداً من الاستعداد quot;وكانوا مستعدين للتنفيذ. وأنشأوا جناحاً عسكرياً أجرى تدريبات في غابة سلا على تنفيذ تفجيرات عن بعد باستخدام هواتف نقّالةquot;. وبين الموقوفين خمسة عسكريين، وثلاثة دركيين، وضابط من الإدارة العامة للأمن الوطني. وكانت الجماعة تعتزم quot;إعلان الجهادquot;، وquot;إقامة الخلافةquot; والقيام باغتيالات وتفجيرات تستهدف احداها سفارة أميركا. وكانت تعتمد على سرقة المصارف لتمويل نشاطاتها، وتشتري السلاح من المهربين في الشمال.
اما التنظيم الجهادي الثالث الذي جرى تفكيكه في شهر تشرين الأول المنصرم، فهو تابع quot;لحزب التحريرquot; وكان يعتزم هو الآخر إعلان quot;الخلافةquot;. وقد اعتقل 14 من نشطائه. ومن المعروف انه تأسس عام 1948 على يد الفلسطيني تقي الدين النبهاني، وتولى قيادته الفلسطيني الأردني عبد القديم زلوم، وأميره الحالي عطا أبو الرشتة ويقيم في لبنان.