جهاد الخازن

الرئيس بوش وعد بسياسة توافقية مع الحزب الديموقراطي المنتصر في الانتخابات النصفية، ثم جدّد ترشيح جون بولتون سفيراً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، على رغم معارضة الديموقراطيين القديمة والباقية، ومعهم بعض الجمهوريين، وقال مستشارون للبيت الأبيض ان الرئيس مصرّ على المضي في ترشيحه.

على سبيل التذكير، الرئيس بوش قدّم ترشيح بولتون في الربيع الماضي، وشعر السناتور الجمهوري جورج فوينوفيتش بوخز ضمير، فعارض ترشيحه في لجنة الشؤون الخارجية، ولم يستطع الأعضاء الجمهوريون تأمين الموافقة على الترشيح لعرضه على مجلس الشيوخ بكامل هيئته. هذه المرة عارض الترشيح السناتور الجمهوري لنكولن تشافي، بعدما غيّر فوينوفيتش رأيه.

عندما فشل الترشيح السنة الماضية، اختار الرئيس بوش عطلة الكونغرس وعيّن بولتون سفيراً، وهو حقه ضمن القانون، الا ان عمل السفير يستمر حتى نهاية ولاية الكونغرس فقط، ما يعني ان يذهب مع هذا الكونغرس في نهاية الشهر المقبل، قبل ان يبدأ عمل الكونغرس الجديد.

مع تعثّر الترشيح مرة أخرى، قال الخبراء ان الرئيس قد يستطيع تعيين بولتون سفيراً بالوكالة، أو نائب سفير، أي في منصب لا يحتاج الى تثبيت مجلس الشيوخ له، أو يعينه من دون أجر، ثم يحتال له بتدبير أجر من مصدر آخر.

بولتون لا يستحق هذا العناء، فهو يمثل كل التطرف السياسي الذي رفضه الناخبون الأميركيون في السابع من هذا الشهر، والسناتور تشافي أصاب تماماً وهو يقول laquo;ان الشعب الأميركي أعرب بوضوح عن عدم ارتياحه لتوجّه السياسة الخارجية الأميركية. وتثبيت بولتون في منصبه سفيراً يخالف توافق البلاد على الحاجة الى توجه جديدraquo;.

تشافي، وهو معتدل وواسع الاطلاع ودمث الأخلاق، خسر مقعده في الانتخابات الأخيرة، واقترح ان يعيّنه الرئيس بوش سفيراً، فهو سيكسب حلفاء للولايات المتحدة وأصدقاء، بقدر ما خسر بولتون لها. وقد سمعت ان السفير في بغداد زلماي خليل زاد مرشح، وكذلك فيليب زليكوف، مستشار وزارة الخارجية.

الكل أفضل من الاعتذاري الاسرائيلي بولتون، فقد كتبت عنه مرة بعد مرة قبل ان يعين، وانتقدته أثناء مناقشة تعيينه، وتابعت عمله في الأمم المتحدة، ووجدته في سوء ما قدرت أو أسوأ، فهو حمى اسرائيل بالفيتو مرة بعد مرة، وحتى مجزرة بيت حانون قبل ايام، أو منع عرض قرارات ضدها. وأعرف انه ينفذ سياسة الادارة، إلا انني أزعم انه ساهم في وضعها وينفذها بحقد، ويقف موقف العداء من كل قضية للعرب أو المسلمين، كما عارض وقف إطلاق النار في لبنان 33 يوماً فيما اسرائيل تقتل النساء والأطفال. وقد كافأه اللوبي الاسرائيلي على تطرفه بشنّ حملة هائلة في الصيف لإقناع اعضاء الكونغرس بتأييده، طالما انه ينتصر للقتل الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ولبنان.

بولتون يستحق ان يحاكم، لا ان يعيّن سفيراً، وأرجو من وزيرة الخارجية الدكتورة كوندوليزا رايس ان تتخلى عنه، فسجله لا يشرّف بلداً من نوع الولايات المتحدة.

كانت مناقشة ترشيح بولتون في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السنة الماضية فرصة نادرة لنبش ماضي هذا الاعتذاري الاسرائيلي المتطرّف، وفضح مواقفه السياسية والشخصية. والتالي هو من تلك المناقشة باختصار شديد:

- هو قال سنة 1994 انه لو فقدت الأمم المتحدة عشرة طوابق من طوابقها الثمانية والثلاثين laquo;لما كان هناك فارق أبداًraquo;. وكتبت في حينه انني أتمنى ان يكون بولتون في أحد الطوابق المفقودة اذا حدث هذا.

- ميلودي تاونسل مثلت طرفاً في برنامج المساعدات الدولية الأميركية، ومثل بولتون طرفاً آخر، وهما تقابلا في فندق في موسكو، وهي قالت انه دسّ لها رسائل تهديد من تحت باب غرفتها، وألقى عليها أشياء في الممر وتصرّف كمجنون، وكان تصرفه مَرَضياً لا يغتفر.

- قال كارل فورد، مساعد وزير الخارجية السابق للاستخبارات والأبحاث، ان بولتون ينتهك نفوذه، وانه من ذلك النوع الذي laquo;يقبّل مَنْ فوقه ويركل مَنْ دونهraquo;.

- سمعت اللجنة شهادات كثيرة عن اعتداء بولتون على الموظفين حوله، أو تحته، حتى ان السناتور كريستوفر دود، وهو ديموقراطي من كونتكت، طالب بمحاكمته تحديداً لاعتدائه على موظفين في وزارة الخارجية.

- هاجم بولتون الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، عبر laquo;أميركان انتربرايزraquo; سنة 1999، وحمل على هانز بليكس لأن كبير المفتشين الدوليين لم يجد أسلحة دمار شامل في العراق، وعارض التجديد للدكتور محمد البرادعي رئيساً لوكالة الطاقة الذرية الدولية لأنه رفض ان يقول ان عند ايران برنامج قنبلة نووية قبل ان يثبت ذلك.

- laquo;لوس انجليس تايمزraquo; وصفته في حينه بأنه laquo;اللاديبلوماسيraquo;، والأعضاء قالوا انه شرس تصادمي عديم الاحساس، وسمعت هذه الصفات على لسان رئيس اللجنة ريتشارد لوغار، وهو جمهوري من انديانا.

- عندما رشح الرئيس بوش بولتون سفيراً لدى الأمم المتحدة في ربيع 2005، وفضحت مناقشة الترشيح تطرفه وسوء أخلاقه، كتب بيتر بيكر ودافنا لينزر في laquo;واشنطن بوستraquo; انه على مدى سنوات بقي برنامج أميركي هدفه إبعاد الوقود النووي عن متناول الارهابيين مجمداً بسبب نزاع قانوني سخيف، وكان جون بولتون، بصفته وكيل وزارة الخارجية مسؤولاً عن البرنامج، غير ان منتقديه قالوا انه كان العقبة في طريق الحل، وعندما ترك بولتون منصبه، أعلن مسؤولون أميركيون عن اختراق مع الروس أدى الى بحث الرئيسين بوش وبوتين في اتفاق يلغي كميات بلوتونيوم تكفي لانتاج ثمانية آلاف قنبلة نووية.

لينزر عاد الاسبوع الماضي بخبر في الجريدة نفسها، مذكراً بأن اعضاء جمهوريين انضموا الى الاعضاء الديموقراطيين السنة الماضية في معارضة ترشيح بولتون الى ان تقدم الادارة وثائق عن عمل بولتون وكيلاً لوزارة الخارجية للحد من التسلح، ورفضت الادارة تقديم الوثائق التي لا بد من ان تدين بولتون، وسقط الترشيح.

وأرجو ان يسقط الرجل وترشيحه من جديد سقوطاً نهائياً كما يستحق.