د. عيدة المطلق قناة
فشل وخيبة أمل، مرارة وتشف، استراتيجيات وتكتيكات وخطط أصيلة وبديلة ومضادة، آلت كلها وتؤول إلى مكاب النفايات، غزاة ومحتلون، قتلة ومجرمون برتبة رؤساء دول عظمى، وزراء وحكماء، سفراء وجواسيس، جنرالات وعساكر، مرتزقة وأصحاب سوابق، وبضعة من عتاة اللصوص ومحترفي الاغتيالات والفتن الأهلية، كلهم يأتون خلسة تحت جنح الظلام والسرية، يتقيأون ما عمرت به قلوبهم وعقولهم من أحقاد، وسرعان ما يهرولون راحلين خلسة تماماً كما جاءوا حاملين منهوباتهم وأوزارهم وأوزار تابعيهم ومن لف لفهم.
لقد سرق المحتلون الحرية وزعموا أنهم المحررون، وسرقوا الحضارة ودمروا المتاحف وزعموا أنهم الحضارة التي يحسدهم عليها العرب والمسلمون، وسرقوا القلم والفكر وحرقوا الكتب وقتلوا العلماء، وقالوا إنهم العلم والكلمة، دمروا العراق وزعموا أنهم البناءون لأحرار.
فبات العراق اليوم وطن المجازر المتنقلة، وطن الاعتقالات والاختطافات، وطن التعذيب والنهب، وطن التخريب والتبديد المنظم للثروات والموارد، وطناً تحكمه اليوم معادلتان أطراف المعادلة الأولى: احتلال أمريكي بريطاني من جهة، وعملاؤه ومرتزقته من جهة أخرى، أما المعادلة الثانية فهي المقاومة الوطنية العراقية الحقيقية.
حالة الطرف الأول من المشهد تتجلى في سلسلة متلاحقة من الفشل وخيبات الأمل والكثير من الممارسات الشاذة، حالة ناتئة تتسم بكثير من الارتباك والتناقض، والكثير من التخبط والفوضى؛ وبفيض من التبدلات والتحولات المتسارعة.
على الصفحة المقابلة هناك معادلة المقاومة العراقية التي خرجت على نص الاحتلال وشروط الهزيمة فصاغت نصها وقوانينها وشروطها وعرفت أهدافها وحددت برنامجها، ونسقت فعالياتها، ومضت بعزم وثقة وتصميم في طريق واحد مستقيم نحو الانتصار والتحرير.
فماذا كانت مخرجات هذه المعادلات الفاعلة على الساحة العراقية؟
أول المخرجات تفيد بأنه كما انبهر العالم بسقوط بغداد الاستعراضي، انبهر كذلك بانطلاقة المقاومة العراقية التي لم تكن أبداً في حسابات المحتلين، فقد سجلت نفسها ldquo;المقاومة الأسرع في التاريخrdquo; وكذلك الأعنف والأكثر تنظيماً وتنسيقاً، فانقلب السحر على السحرة أجمعين، وانقلبت الموازين وتبدلت المعادلات في أقل سنوات ثلاث.
وكما سخر العالم من شعارات انتحار الغزاة على أسوار بغداد، هاهم اليوم يسخرون من أكاذيب بوش وعصابة المحافظين الجدد الذين هندسوا هذه الحرب الماجنة ودفعوا بها!! هاهم الأمريكيون يستقبلون يومياً عشرات التوابيت، والمستشفيات الميدانية تضيق بآلاف الجرحى، كما تضيق مراكز إعادة التأهيل بآلاف المعوقين والمشوهين ldquo;نفسياً وجسدياًrdquo;، ناهيك عن الحالة المعنوية التي تتجلى في الهاربين من الخدمة، والمنتحرين من ضباط وجنود هذا الجيش الأعظم في العالم.
لقد شهدت وكالة الأنباء الألمانية على تردي الحالة المعنوية لقوات الاحتلال الأمريكي فقالت ldquo;إن قوات المارينز ناشدت سكان محافظة الأنبار غربي العراق (في مدن الرمادي والفلوجة وهيت والقائم وبقية مدن المحافظة) عبر مكبرات الصوت التسامح معها وعدم استهدافها، لأنها تنوي الانسحاب من المحافظة، ومن العراق والعودة إلى بلادها بعيداً عن أعمال العنف.
ها هو العالم اليوم يشهد مفاعيل هذه المقاومة على غير صعيد، فالأمريكيون أخذوا ينفضون عن رئيسهم، وشعبيته في هبوط متواصل، وانكفأ عنه حتى مريدوه وناصحوه ومستشاروه ممن أوقعوا به، فها هو ريتشارد بيرل (أمير الظلام) يزعم بأنه مل من صفة مهندس الحرب، فهو يحمل بوش المسؤولية عن الإخفاقات التي أصابت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة النتائج الفاشلة للحرب في العراق، ويقول في بوش بأنه ldquo;سياسي يفتقر إلى الكفاءة الذهنية لحكم البلادrdquo;.
المقاومة العراقية وضعت الإدارة الأمريكية في موقف صعب، وأفقدت رئيسها كل شيء حتى التوازن والاحترام، فديفيد افرام كاتب خطاباته السابق يقول فيه إنه (شخص لا يفقه ما يقول)، أما النائب الديمقراطي ldquo;نانسي بيلوسيrdquo; (رئيسة مجلس النواب) فتقول فيه بأنه (كاذب وخطير، لازمته الحماقة وضعف الخبرة).
لم يكتف الأمريكيون بذلك بل أخذوا ينقضون عليه وعلى نهجه فهاهي الرؤوس تتدحرج تباعاً إما بالعزل أو في صناديق الاقتراع.
التعليقات