الإثنين: 2006.11.21

بيروت - الخليج

خيّم على الوضع الداخلي في لبنان، أمس سؤال كبير يحبس الأنفاس، هو: هل صار ldquo;الشارعrdquo; هو الخيار الحتمي الأخير الذي لا رجوع عنه، من قبل فريق المعارضة، أم أن المسالك الى تسوية ldquo;ربع الساعة الأخيرrdquo;، لا تزال متاحة؟ خصوصاً أنه في سياق التبلد والضباب السياسيين الكثيفين، خرجت نبرة التقسيم والكانتونات، لتطل برأسها من جديد، ولو جاءت مغلّفة تحت رداء التحذير منها، حيث حذر أحد أقطاب ldquo;الأكثريةrdquo; رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميّل، من أن ldquo;حزب اللهrdquo; يدفع البلاد، من حيث لا يدري أو يدري، نحو التقسيم والكانتونات، وهو الأمر الذي أكد ldquo;حزب اللهrdquo; أكثر من مرة، وأمس الأول، بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله أنه ldquo;خط أحمرrdquo; ممنوع التداول والتفكير فيه، من أي طرف كان.

ووسط حالة الترقب السائدة، يعيش لبنان في سباق محموم بين خيار ldquo;الشارعrdquo;، الذي أصبح مرجّحاً، تبعاً لتصاعد المواقف في الساعات الأخيرة، وبين الوصول الى تسوية بشأن ملف التغيير الحكومي، تجهد في الوصول اليها مشاورات ldquo;ربع الساعة الأخيرrdquo;، التي يلعب السفير السعودي في بيروت عبد العزيز الخوجة الدور الرئيسي فيها جنباً الى جنب مع السفير المصري في بيروت حسين ضرار الذي زار رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أمس، وبحث معه في الحلول الممكنة.

جاء ذلك، غداة خطاب الأمين العام لrdquo;حزب اللهrdquo; السيد حسن نصرالله، الذي، برغم حدّته، أبقى الباب مفتوحاً أمام ما يمكن تسميته ldquo;محاولات ربع الساعة الأخيرrdquo; لتفادي خيار الشارع، وهو الأمر الذي تلقفه السفير الخوجة، وعاود بعده اتصالاته على خطي رئيس الحكومة السنيورة الذي زاره ليل أمس الأول، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي زاره أمس، في محاولة، قد تكون الأخيرة، من أجل الوصول الى تسوية ldquo;مشرّفةrdquo;، لطرفي الأزمة، كما عبر عنها النائب وليد جنبلاط، تجنّب الطرفين تجرع كأس ldquo;الشارعrdquo; المرة، وتداعياتها وآثارها التي لا يعرف كلا الطرفين مداها.

في هذا الوقت، واصل ldquo;حزب اللهrdquo; ضغطه على الحكومة، وسعيه الى إحكام الحصار حولها، من خلال تلويحه بالتظاهر، وعقد ldquo;اجتماعاً طارئاًrdquo; في منزل الوزير السابق عبد الرحيم مراد مع تحالف الأحزاب الوطنية للبحث في خطوات اسقاط الحكومة، وإن كان أبقى أيضاً، الباب مفتوحاً بلسان ممثله في الاجتماع عضو المكتب السياسي محمود قماطي، حول ايجاد تسوية سياسية سريعة تجنب البلاد خيار اللجوء الى الشارع.

وفي ظل مرحلة ldquo;حبس الأنفاسrdquo; هذه، بات في حكم المؤكد أن أياماً قليلة جداً قد تكون بمثابة المهلة الأخيرة لمحاولات ايجاد حل سياسي، قبل أن تبدأ قوى المعارضة خطوتها التالية، باللجوء الى التظاهر، الذي رجحت مصادر متابعة، أن تكون ldquo;ساعة الصفرrdquo; فيه يوم الخميس المقبل، وهو اليوم الذي حدد فيه الرئيس السنيورة موعداً لانعقاد مجلس الوزراء، في جلسة تراها المعارضة غير دستورية وفاقدة الشرعية، وسوف تشكل فرصة مناسبة للمعارضة لإطلاق تظاهرات حتى اسقاط الحكومة.

في هذه الأجواء المتشنجة، أعلن مصدر نيابي بازر في حزب الله ان التحرك الشعبي لقوى المعارضة لإسقاط الحكومة قد لا ينطلق هذا الأسبوع بالضرورة، مشيراً الى أن الأمور تحتمل مزيداً من الانتظار وإعطاء الوقت لقوى السلطة كي تتجاوب مع مبادرة الأمين العام للحزب بتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وأشار الى استمرار الاتصالات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من قبل قوى السلطة أملاً منها في تجنب الزخم الشعبي الضاغط للمعارضة، وبالتالي تجنب السقوط في الشارع، لكنه أكد بالمقابل ان لا اتصالات مباشرة بين ldquo;الأكثريةrdquo; وحزب الله.

وفي هذا الاطار أبدى السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة تفاؤله بإمكان التوصل الى حل للأزمة القائمة، وأكد بعد لقائه برّي أمس ان الجميع يسعى الى ldquo;حلحلةrdquo;، وكل القيادات لديها رغبة في ايجاد مخرج للأزمة.

وكان السفير الخوجة قد بنى تفاؤله الحذر على ما تضمنه خطاب السيد حسن نصرالله، الذي وصفه بrdquo;الايجابي جداًrdquo;، مصرحاً أمس ان ldquo;الجميع على استعداد للتعاون مع نصرالله، وخصوصاً بعد أن تكلم بوضوح ومنطق، وكان موفّقاً في طمأنة اللبنانيين بعدم حصول أي فتنة، أو خلاف بين السنّة والشيعةrdquo;.

وفيما لا تزال خطوط الاتصال مقطوعة بين رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة الذي يتردد انه يحاول توسيط وزير الصحة محمد خليفة، المحسوب على بري، لإعادة التواصل معه، جددت أوساط الرئيس بري انه لا يزال يرى أن كرة ldquo;الحلrdquo; هي في ملعب فريق الأكثرية. وأكدت أن بري لا يزال ينتظر من فريق ldquo;14 آذارrdquo; أن يبادر الى طرح صيغة تسوية مقبولة، ونقلت عن بري قوله ldquo;وليس من تاجر في العالم يمكن أن يقدم على أي خطوة ما لم يكن لديه رأسمال أو بضاعة، فإذا لم يأتوني (الأكثرية) بشيء ملموس ومقنع، فلستُ مستعداً للبحث معهم في أي شيء، وخصوصاً بعد كل ما مارستُه من ضغوط على ldquo;حزب اللهrdquo;. وأشار بري الى أن آخر عرض تلقاه من فريق الأكثرية ldquo;مخالف لاتفاق الطائفrdquo;.

ورأى بري أن فرقاء الأكثرية لم يصدّقوه عندما أخبرهم بأن المعارضة ستذهب أبعد من الثلث المعطل، وستطالب بحكومة انتقالية تمهيداً لانتخابات نيابية مبكرة.

وعكست مصادر نيابية مقربة من الرئيس بري تشاؤم رئيس المجلس، حيث لم تُبد أي تفاؤل لجهة التوصل الى تسوية للأزمة القائمة. وأشارت الى أن الاتصالات التي تمت، وتتم، لم تحقق أي نتيجة بعد، وأن خطاب السيد نصرالله رسم حدوداً للحل، وحدد المشكلة.

من جانبه، أبدى رئيس الحكومة الأسبق د. سليم الحص ارتياحه لخطاب السيد حسن نصرالله، ورأى، في تصريحات متفرقة أعقبت الخطاب، انه كان ldquo;بارعاًrdquo; في طمأنة اللبنانيين بعدم وقوع فتنة سنيّة شيعية، خصوصاً لجهة حصره الصراع ضمن اطار سياسي وليس صراعاً مذهبياً.

ورأى الحص انه كما كان نصرالله بارعاً في التعبير عن ldquo;العنوان السنيrdquo;، فإنه كان ldquo;بارعاًrdquo; كذلك في عناوين الصراع الأخرى، لجهة الطمأنة الى سلمية التحرك والتحذير من المندسين الذين قد يرمون شعارات مذهبية.

ولفت الحص الى الكلام ldquo;المتعففrdquo; عن مشاركة ldquo;حزب اللهrdquo; في الحكومة لصالح قيام حكومة وحدة وطنية، ورأى الحص في هذا الطرح رداً على تهمة أن ldquo;حزب اللهrdquo; يريد الامساك بالبلد والحكم.

وأعرب عن ثقته بأن نصرالله ldquo;خرج في خطابه من الحزبية الضيقة الى خطاب وطنيrdquo;.

من جهتها، أكدت مصادر قيادية في ldquo;التيار الوطني الحرrdquo; الذي يتزعمه النائب ميشال عون، أن ما استوقفها في خطاب نصرالله هو ldquo;لغة التسامحrdquo;، محذرة، في المقابل، من مقابلته بrdquo;الاستئثار والتحريضrdquo; من قبل فريق الأكثرية.

ونصحت المصادر فريق الأكثرية بأن يلتقط هذه الفرصة الأخيرة لتفادي السقوط المدوي، وإلا فإنه سوف يدفع ثمن أي تعال أو غباء، مجددة التأكيد أن كل ما تطلبه المعارضة هو الشراكة وليس الغاء فريق الأكثرية.

من جانبه، أكد رئيس ldquo;تيار المردةrdquo; الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية أن التنسيق تام مع ldquo;حزب اللهrdquo; لتحديد ldquo;ساعة الصفرrdquo; للتحرك الشعبي الذي أصبح قريباً، مستبعداً ان تقبل قوى ldquo;14 آذارrdquo; بالتسوية في ربع الساعة الأخير، مؤكداً ان المعارضة هي مع تسوية مشرّفة، ضمن شروطها هي، وليس ضمن املاءات الأكثرية.

في هذا الوقت، تأخذ قوى الأكثرية خطاب نصرالله على محمل الجد، وبرغم ldquo;القراءة الايجابيةrdquo; لبعض أطراف هذه القوى لهذا الخطاب، وخصوصاً لجهة ابقاء باب ldquo;التسوياتrdquo; مفتوحاً، الا انها أبقت اجتماعاتها ومشاوراتها بصورة مكثفة وعلى وتيرة عالية، وسوف تجري مشاورات واسعة في الساعات المقبلة سعياً الى الخروج بموقف موحّد، رداً على الخطوط العريضة التي طرحها نصرالله أساساً لأي تسوية مقبولة، قبل النزول الى الشارع.

ويُتوقع، في هذا الصدد، أن يعقد النائب جنبلاط، في الساعات ال24 المقبلة، مؤتمراً صحافياً يحدد فيه موقف ldquo;الأكثريةrdquo; من المرحلة المقبلة، تحت عنوان: الرد على نصرالله، هذا مع العلم بأن جنبلاط كان حذر قبل ساعات من خطاب نصرالله مما وصفه ldquo;انقلاب تدريجيrdquo; تنفذه المعارضة.

من جهته، شددت أوساط النائب جنبلاط على أن كلمته أمس الأول كانت مهادنة ودعوة الى التسوية، ولو على حساب بعض المواقع.

ولفتت المصادر الى أن جنبلاط كان حاسماً في الاجتماع الأخير لقوى ldquo;14 آذارrdquo; الخميس الماضي، لجهة اصراره على اصدار بيان هادئ، لكنها رأت أن خطاب السيد نصرالله، دفع الأمور نحو التصعيد.

وكان مصدر مقرّب من جنبلاط رجّح لrdquo;الخليجrdquo; أمس أن ينجح جنبلاط في مسعاه، وبالتالي فإن الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء الخميس المقبل ستؤجل ريثما تظهر نتيجة الاتصالات المكثفة التي يجريها السفير السعودي في لبنان، والتي ستواكبها زيارة النائب سعد الحريري المتوقعة اليوم الى الرئيس بري. وأشار المصدر الى ان جنبلاط يتوقع من قوى المعارضة وعلى رأسها بري ونصرالله أن تلاقي دعوته الى التسوية المشرفة قبولاً من الجميع، لأن النزول الى الشارع ليس مضموناً لأحد في نتائجه وتداعياته.

الى ذلك اجتمعت كتلة التحرير والتنمية برئاسة الرئيس نبيه برّي وتداوت في الأوضاع الدقيقة التي تمر بها البلاد، وأكدت على الاسراع في قيام حكومة وحدة وطنية تقوم على مبدأ المشاركة الحقيقية التي تجعل مسؤولية الخلاص من مهمات الجميع.

وعلم في هذا الاطار ان الرئيس بري صارح أعضاء الكتلة بالوضع المتأزم وأوضح أن يوم الخميس الماضي ما قبل آخر جلسة تشاور كان المناخ جيداً والمتشاورون على وشك التفاهم لكن تبدلت المعطيات والمناخات أيضاً يوم السبت مؤكداً أنه لم يكن وراء فكرة المقايضة ورافضاً الاجابة عمن عطّل المشاورات لكنه في المقابل لمّح الى ما قاله الدكتور سمير جعجع.

وكرر بري موقفه المعروف من النزول الى الشارع، وان هذا الخيار ليس أولوية لديه، لكن مع هذا فآخر الدواء هو الكيّ، رغم ايمانه بأن لا أحد سيربح من ذلك وان الوضع سيتأزم أكثر في البلد نافياً حصول أي ايجابيات جديدة حتى الساعة بتأكيده أن لا رأسمال في يديه ولا مادة مغرية ولا أفكار جديدة تتيح استنباط أي حل أو تصور بانتظار الاتصالات والمشاورات المرتقبة.