علي الامين

قبل حوالى الشهر هاتفت وزير الصناعة والنفط بيار الجميل مستفسراً عن بعض مجريات التحرك السياسي لقوى 14 آذار، وكان الشيخ بيار على عادته متسماً بصراحة في التعبير عن وجهة نظره وموقفه من دون أي مواربة، وفي هذه المرة كان صريحاً ايضا، لكن في رغبته بعدم التعبير عن وجهة نظره في وسائل الاعلام وذلك لأن ما يمكن أن يقوله قد يساء فهمه لدى البعض، وقد يفاقم من حالة الانقسام التي لا يريد ان يكون سبباً في تعميقها.

قتل بيار الجميل سليل عائلة الكتائب اللبنانية، ونجل الرئيس امين الجميل، قتل في ربيع عمره كحال عمه الرئيس بشير الجميل، الذي فجر اغتياله مشهداً جديداً من مشاهد الحرب اللبنانية، الحرب التي تداخلت في عناصرها الداخلية أبعاد خارجية امتدت الى قطبي الحرب الباردة في حينه.

الرئيس أمين الجميل، كان بين القيادات المسيحية التي سعت حثيثاً لاعادة وصل ما انقطع من علاقات مع القيادات الاسلامية والشيعية خصوصاً، كان شديد الحرص على ان يلتقي قيادة حزب الله، التي تمنعت كثيراً قبل ان يستقبله الأمين العام، والأمر نفسه حيال شخصيات اسلامية كانت على خلاف مع الرئيس الجميل خلال فترة الحرب.

تشديد الرئيس امين الجميل على سياسة الانفتاح على القوى السياسية التي كانت يوماً في موقع الخصم، كان يقابل من قبل البعض بسيل من الاتهامات التي تعود الى زمن الحرب الأهلية ولكن اصراره على دق الأبواب وفتحها بالتي هي أحسن، أفضى في نهاية الأمر الى ما اراد من اعادة الاتصالات والعلاقات وإزالة ما ترسب من آثار الحرب.

لا يمكن أن نفصل بين اغتيال الوزير بيار الجميل وبين انتمائه الى حزب لبناني متجذر في البيئة المسيحية، ولا أن نفصل الجريمة عن استهداف قوى quot;14 آذارquot;، ولا يمكن الفصل بين هذه العملية ومسلسل الاغتيالات التي استهدفت الفريق الذي وقف في موقع المعارض للوجود السوري في لبنان والمؤيد لخروجه. ولا يمكن فصل جريمة الاغتيال عن استهداف شخص الرئيس أمين الجميل، ولعل الذي استهدف الابن اراد ان يقتل الاب مرتين، ان يقتل النجل السياسي، وان يقتل الموقف السياسي الذي يتبناه ويعبّر عنه. جريمة لا يمكن ان تكون خارج الصراع الجاري بين قوى quot;14 آذارquot; وقوى quot;8 آذارquot; او قوى quot;14 آذارquot; وquot;السياسة السوريةquot;، والرئيس امين الجميل يدفع ثمن موقفه اللبناني وثمن انتسابه لخيار لبنان الواحد ولبنان الذي لا يقوم الا بارادة جميع ابنائه، لبنان الذي لا معنى له بلا سيادة ولا حرية ولا استقلال. وذلك كله لا يتحقق على ما يبدو بغير الشهادة، على مذبح الدفاع عن لبنان امام كل الذين يتلذذون بمشهد دم ابنائه المراق من اقصاه الى اقصاه.

انطلق المشروع الأمني مجدداً مع انطلاق برنامج المحكمة ذات الطابع الدولي، وجريمة اغتيال الجميل تأتي في سياق التأثير على مسار المحكمة ومواقف النواب من ابرامها أو رفضها واسقاطها. هذا المشروع مرشح للاستمرار، وهو بالتأكيد غير مرتبط ببرنامج المعارضة ولا بمواقفها المبدئية بقدر ارتباطه ببرنامج خاص يسير على وقع مسارات العلاقة اللبنانية - السورية ولفرض شروط أي تسوية مقبلة. لذا فإن ثلاثة خيارات أمام المعارضة بعد هذه الجريمة:

الخيار الأول: ان تقوم بخطوات تقوطب من خلالها على المشروع الأمني بتأييد المحكمة الدولية وتغلب مصالحها الوطنية بعودة الوزراء الى الحكومة وتأجيل مطلبها بالثلث المعطل الى مرحلة ما بعد اقرار المحكمة.

الخيار الثاني: تأجيل مشروع التحرك المزمع في الشارع لاسقاط الحكومة، من دون التراجع عن مطالبها ولو ترافق ذلك مع مسلسل اغتيالات.

الخيار الثالث: الموافقة على مشروع الرئيس السنيورة المتمثل بدخول 4 وزراء للتيار الوطني الحر ووزيرين مستقلين.

في هذه الخيارات الثلاثة الاستنكار أمر مشترك، غير ان أسوأ ردود الفعل المستنكرة من المعارضة، هو الاستنكار المذيل باتهام مبطن للأكثرية بانها تقف وراء الاغتيال، غير ان الثابت في ظل هذه الخيارات استمرار المشروع الأمني الذي لا يبدو انه سيتوقف وهناك من يستمر في الحديث عن المحكمة الدولية.