علي سعد الموسى


كلما اقتربت من فهم مسلسل الاغتيالات في بيروت، تباعدت المسافة وزادت ضبابية القناعة. سوريا وحزب الله هما المتهم التلقائي المتوقع في خيط هذه السلسلة الطويلة ولكن المحير في السؤال: كيف يجرؤ مثلهما على اقتناص ضحية جديدة فيما هما متهمان تحت الأضواء الكاشفة، بل تحت المجهر الإلكتروني؟

كيف سيجرؤ المتهم على مواصلة المسلسل وهو الذي يعلم أن المقصلة التي تقبع مباشرة فوق الرقبة لا تحتاج إلا لضحية جديدة. كلما حاولت أن أهرب بالتهمة إلى خارج دائرة سوريا وحزب الله تزداد القناعة بضلوعهما مثلما يزداد اليقين بأنهما شماعة جاهزة فيما القاتل الحقيقي ينعم بالغطاء الأمني الكثيف، طالما أن جملة التهمة جاهزة يصعب أن تتبدل.

كلما قلت إن سوريا وحزب الله ضحية قناص مستقل مجهول، بددت علاقة آل جميل بالنظام السوري هذا التحليل، ذاك أنهما على الدوام خيط مضطرب من الجفاء والضرب المعلن فيما فوق الحزام وما تحته. لو أن النظام السوري اختار عائلة لبنانية ليلبسها ثوب الحداد لما اختار ضحيته الأولى إلا من بيت الجميل ومن تيار الكتائب عطفاً على إرث طويل من الملاسنة والاضطراب السياسي ما بين النظامين.

هنا أهرب لتحليل مختلف لسلسلة الاغتيال في بيروت. حين يتحول النظام إلى إرث ومؤسسة، كما هو الحال في سوريا وحزب الله، يتحول ذات النظام المؤسساتي مع تقادم الزمن إلى طبقات من الخلايا المستقلة. كل خلية أو طبقة تتصرف بمفردها نيابة عن النظام والحزب وكل خلية أو طبقة من طبقات هذه العصابات تظن أنها تتصرف لمصلحة النظام أو الحزب وأنها تخدم أهدافه وخططه الاستراتيجية حتى ولو اتخذت قرار التصفية دون أمر مباشر من رأس الهرم. اغتيال بيار الجميل بهذا الشكل والتوقيت يخدم هذا التحليل.

الجريمة البشعة جاءت بعد أسبوع عاصف لم يترك فيه السيد حسن نصر الله جملة واحدة من الوعيد والتهديد إلا وقالها في عملية طيش سياسي بالغة التهور. قد يكون صحيحاً أنه غير راضٍ عن توقيت الضحية الجديدة التي أفحمت لسانه وأعادت جسده للمخبأ بعد أن كان نجم الأسبوع، ولكن الصحيح الذي لا غبار عليه أن الخلايا والطبقات التي تعمل باستقلال تحت عباءته قد فهمت رسائله التحريضية بالخطأ وقرأت نواياه، ربما عكس، ما يريد. أقدمت على الجريمة نيابة عن نواياه في قراءة، ربما، عكس هذه النوايا. عزيزي نصر الله: إن من الخطاب ما قتل.