حسان حيدر

هل للتوتر الاهلي الذي يشهده لبنان والمرشح للتطور الى حرب شوارع بين الطوائف والمذاهب، علاقة ما بـ laquo;الحلraquo; المطبق في العراق حيث يجبر النزاع الطائفي المتمادي واشنطن على التفكير في حلول بينها الانسحاب وإعادة الاعتبار الى دور سورية وايران في هذا البلد، بعدما حرصت على عزلهما منذ بدء حربها على الارهاب؟

عندما خرج اتفاق الطائف الى النور، كان هدفه المعلن ان تساعد سورية لبنان على استعادة عافيته بعد سنوات الحرب الاهلية الطويلة التي كانت هي نفسها طرفا فاعلا في مختلف مراحلها، وان تنسحب بعد فترة تدرجا من أراضيه، على ان يتوج الانسحاب الكامل عودته بلداً ناجز الاستقلال والسيادة. لكن الاتفاق غير الموقع بين دمشق وواشنطن كان يقضي بأن تدير سورية الشأن اللبناني وتضبط عناصره المختلفة بحيث لا تنفلت وتشكل تهديداً للاستقرار في المنطقة. وظل هذا التكليف سارياً أطول مما يجب وتم التغاضي عن انقضاء المهل الزمنية المستحقة في الاتفاق وعن التحكم بمفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، لأن سورية كانت تقوم بالدور المطلوب منها في ضبط الداخل اللبناني والتحكم بمدى المواجهة بين المقاومة واسرائيل ومراقبة المخيمات الفلسطينية، ولأن خروجها كان سيعني انفلات الجبهة اللبنانية واستفراد الايرانيين بتوجيه laquo;حزب اللهraquo; وتهديد السلام الهش في المنطقة.

وبقي التفاهم الضمني قائما الى ان أخلت دمشق بأحد شروط رعايتها للبنان مع اغتيال رفيق الحريري، سواء كانت متورطة في الجريمة او مسؤولة عن التقصير الامني الذي أفضى اليها فحسب. واعتبر البعض ان مقتل الحريري كان الرد على laquo;إخلالraquo; واشنطن نفسها بشروط التوازن في المنطقة عندما غزت العراق ونشرت قواتها قرب الحدود مع سورية وايران، لا سيما ان الحريري كان قد نجح الى حد كبير في التقريب بين مختلف الاطراف اللبنانيين ونسج للبنان علاقات عربية ودولية واسعة الى درجة هددت laquo;الوظيفةraquo; السورية فيه.

واطلق الاغتيال انتفاضة داخلية لبنانية كان السوريون يعتقدون بأنها ستهدأ بعد فترة لو لم تلق بسرعة تعاطفا دولياً واسعاً دفعها الى نهايتها المعروفة من خروج غير مبرمج للقوات السورية وقرار دولي وشبه عربي بعزل دمشق. لكن الاغتيال كان ايضا اشارة الى ان دمشق بدأت تخرق التفاهم غير المعلن مع واشنطن وتستغل الانشغال الاميركي في العراق لترتيب وضع دائم لها في لبنان، بالتفاهم مع ايران، القوة الاقليمية الصاعدة، في اكثر من مكان.

كان التنسيق السوري - الايراني في العراق يقوم، بحسب الاتهام الاميركي، على ان تسهل دمشق او تتغاضى عن تسلل المقاتلين السنة الى هذا البلد وان تدعم ايران الاحزاب والميليشيات الشيعية فيه، بما يهيئ، كما حصل فعلا، لحرب أهلية تربك الاميركيين وتجبرهم على الانسحاب والابتعاد، لان وجودهم يستمد شرعيته من قدرتهم على اقامة نظام مستقر، فاذا فقد الأمن بات هذا الوجود عبئا عليهم وعلى العراق. اما الوجه الآخر للتنسيق فيقضي بأن تتخلص سورية من تهديد المحكمة الدولية وان تستعيد مصالحها في لبنان، وهو ايضا ساحة متعددة الطوائف وبعضها مسلح. فاستخدمت دمشق، بتأييد ايراني واضح، تحالفها مع أطراف لبنانيين لتحاصر الداعين الى محاسبتها، ولتضعهم امام خيار وحيد: اما التسليم بعودة دور سورية والتخلي عن محاولات ادانتها واما المواجهات الاهلية والفراغ الامني، مستندة في ذلك الى خبرة أكثر من ثلاثة عقود في إمساك الخيوط وادارة التوترات.