الخميس 30 نوفمبر 2006

صالح القلاب


كان الأفضل لو أن الرئيس جورج بوش وجد في برنامجه المزدحم، خلال زيارته هذه الى عمان، بضع دقائق للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليتحدث معه في عموميات القضية الفلسطينية، التي هي السبب الرئيسي لكل علل الشرق الأوسط، ويترك التفاصيل للقاء الذي من المفترض أن يتم في مدينة أريحا التاريخية بين وزيرة الخارجية كونداليزا رايس وlaquo;أبو مازنraquo;.

بالتأكيد أن جورج بوش سمع في الساعات التي أمضاها في عمان، والتي سيطر عليها الهم العراقي الضاغط على العنق الأميركي، ما كان من الممكن أن يسمعه من محمود عباس لو أنه التقى به، فالوضع الفلسطيني هو بدوره هم أردني متواصل والأردن الذي يعتبر أن القضية الفلسطينية قضيته، ولكن بدون أي تدخل في الشأن الداخلي ولا أي وصاية على الفلسطينيين، يعرف تماما ماذا يجب ان يقال للرئيس الأميركي والمؤكد أنه قال هذا الذي يجب أن يقال.

وهنا ولأن الرئيس بوش مع بزوغ شمس هذا الصباح لايزال لم ينه زيارته، المهمة والتاريخية والضرورية، الى الأردن بعد فإنه لابد من أن يعرف أن هناك قضايا في غاية الأهمية تتعلق بالصراع في الشرق الأوسط يجب أن تقال إليه ويجب ان يضعها في إعتباره خلال السنتين المتبقيتين من عهده وولايته هذا إذا أراد أن ينهي إقامته في البيت الأبيض بإنجاز يبقى يحسب له.

أولا : لا يمكن لهذا الصراع أن ينتهي إذا لم يذعن الإسرائيليون للقرارات الدولية وإذا لم يتصرفوا على أساس أنهم يحتلون أرضا ليست لهم وبالتالي إذا لم يعترفوا للشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير وبإقامة دولته المستقلة، فعلا، على كل الأراضي التي احتلوها في العام 1967 بما فيها القدس الشريف وحل قضية اللاجئين حلا واقعيا وعادلا ومقبولا ولو في الحدود الدنيا وعلى أساس قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن.

ثانيا : ان إسرائيل إذا بقيت تتصرف بهذه الطريقة، التي تعتمد القوة أكثر من إعتماد المنطق والعقل، فإنها ستجر على الأجيال الإسرائيلية الويلات إذ أن حلول القوة لا يمكن أن تستمر في حين أن الحلول القابلة للاستمرار والبقاء هي الحلول القائمة على العدل وعلى قناعة كل طرف من طرفي الصراع بأن مثل هذه الحلول هي مصلحته.

عندما ترفض إسرائيل أن تكون جزءا من هذه المنطقة وعندما تتصرف إزاء أهل هذه المنطقة بعقلية المتفوق، عسكريا وحضاريا وإقتصاديا، وعندما تنظر الى الصراع في الشرق الأوسط من ثقب الأساطير التوراتية فإنها لا تزرع في صدور وقلوب الفلسطينيين والعرب جميعا إلا المزيد من الأحقاد التي ستنفجر في لحظة تاريخية معينة وعندها فإن الأجيال الإسرائيلية المقبلة ستدفع ثمن ما زرعه الآباء المتطرفون في هذه المرحلة.

إنه على رئيس الولايات المتحدة الأميركية وهو يغادر عمان بعد زيارة، سيحكم عليها المستقبل إن كانت ناجحة أم فاشلة، أن يعرف اننا عربا ومسلمين أكثر حرصا من هذه الحكومة الإسرائيلية ومن الإسرائيليين، الذين يسيرون خلف أكثر قادتهم تطرفا، على الأجيال الإسرائيلية المقبلة، وهنا فلعل مالا يعرفه جورج بوش هو ان هناك آية قرآنية كانت قد نددت قبل نحو ألف وخمسمائة عام بالمحارق ضد بني البشر : laquo;قتل أصحاب الإخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعودraquo;.

وإنه على رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأعظم التي تواجه الآن تحديات كثيرة وحتى مع حلفائها الأوروبيين وفي مقدمتهم فرنسا والرئيس جاك شيراك، أن يعرف ان رمال هذه المنطقة ابتلعت إمبراطوريات كثيرة، اليونان والرومان والفرس والمغول والأتراك، وأن الاسكندر المقدوني مر بها وكذلك هولاكو وريتشارد قلب الأسد والجنرال ألنبي.. وأن التاريخ سيسجل ذات يوم، هذا إذا بقي الإسرائيليون يرفضون أن يكونوا جزءا من الشرق الأوسط، أن دولة اسمها إسرائيل كانت قد أنشئت في هذه البلاد.

يجب أن يعرف الرئيس الأميركي الذي يغادر بلادنا اليوم أنه ليس بين أبناء هذه المنطقة وبين بلاده بالأساس سوى القضية الفلسطينية ولذلك فإنه إذا أراد أن يقتلع كره الولايات المتحدة من قلوب الفلسطينيين والعرب فعليه أن يضغط على حلفائه الإسرائيليين ليقبلوا بما يمكن تسميته بالمساومة التاريخية وأن يقبلوا بالفلسطينيين شركاء لهم على هذه الأرض المقدسة وألا يواصلوا التصرف كغرباء وكغزاة وأن يقبلوا أيضا بأن يكونوا جزءا من الشرق الأوسط.