الإثنين 04 ديسمبر2006

د. عبدالله خليفة الشايجي

تكتسب التحذيرات من قبل القادة العرب من مخاطر احتقان الأوضاع في المنطقة أهمية كبيرة. من تحذيرات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من ثلاث حروب أهلية في المنطقة في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية، خلال المرحلة المقبلة، ثم تحذيرات أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في باريس من مخاطر الانسحاب الأميركي من العراق لأنه سيؤدي إلى حرب أهلية لها آثار على الكويت، ويدفع العالم بأسره ثمنها، مع لفته كغيره من القادة العرب للإدارة الأميركية إلى أن الأولوية اليوم يجب أن تعطى لتسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لسحب أوراق القوة والشرعية من قوى التطرف التي تستثمرها في أكثر من بؤرة إقليمية عديدة ملتهبة ليس العراق أقلها.
تضاف إلى ذلك الرسالة القوية التي أرسلتها بطريقة غير مباشرة مقالة نواف عبيد المستشار الأمني السعودي في quot;واشنطن بوستquot; من أن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه المجازر التي ترتكب ضد السُّنة في العراق، والذين يحذرهم عبدالعزيز الحكيم زعيم أكبر تيار شيعي عراقي بأنهم سيكونون الخاسر الأكبر من قيام حرب أهلية. ورسالة الكاتب تعكس مخاوف الأغلبية السُّنية في العالم الإسلامي والعربي مما قد يواجهه العراق في المستقبل.
ولكن هناك سؤالين لابد من إثارتهما: أليست كل تلك التحركات والتحذيرات من الزعيمين العربيين، ومن الكاتب السعودي، والمطالبة بحماية السُّنة في العراق رسائل متأخرة؟ والسؤال الثاني: هل سيستجيب الرئيس بوش للتحذيرات والرسائل تلك، وأيضاً لتوصيات لجنة quot;بيكر- هاملتونquot; المعروفة بـquot;مجموعة دراسة العراقquot;؟ أم أن القرار قد اتخذ ولم يعد ينفع الصوت بعد فوات الأوان؟
تبدو المنطقة المُحتقنة بما فيه الكفاية، ومعها الإدارة الأميركية، في حالة ترقب وحذر بانتظار تقرير مجموعة quot;بيكر- هاملتونquot; والذي سيسلم للرئيس بوش خلال أيام، وفيه توصيات لإنقاذ أميركا من المستنقع العراقي. والمشهد في المنطقة من العراق إلى لبنان، ومن فلسطين وحتى لا نتكلم عن عودة الوصاية للسودان الصومال المجزأ البائس، هذا المشهد يعطي المزيد من المصداقية لكلام المسؤولين العرب عن خطورة الأوضاع وجدية المأزق، في لعبة المواجهات والمحاور وعض الأصابع وحسابات سياسية أخرى كثيرة ومعقدة.
ولذلك سيتمسك الجميع بتوصيات لجنة quot;بيكر- هاملتونquot; كخشبة خلاص للانسحاب المتدرج وإعادة الانتشار وعقد مؤتمر دولي. وكل ذلك لتبرير الانسحاب من العراق مع حفظ ماء الوجه، بغض النظر عن تداعيات ومخاطر ذلك الانسحاب الذي بدأت دول المنطقة تشعر بخوف حقيقي من تداعياته، ومنها عقد مؤتمر دولي يعطي إيران اليد الطولى في المنطقة عبر صفقة مقايضة تشمل الملف النووي والعراق وعملية السلام وأوراقاً أميركية وإيرانية عديدة.
والمشهد في لبنان يقترب اليوم أيضاً بسرعة من انفجار حقيقي بين قوتين على الأرض تتحكم بهما قوى دولية وإقليمية وقودها اللبنانيون وأمنهم واستقرارهم، من أجل رفع السقف لتقريب موعد الحوار الأميركي- الإيراني. هذا وصولاً إلى إيران نفسها التي يبدو أنها تتحكم بسير ومسار الأمور والأحداث، وانتهاء بالأفق المسدود في فلسطين وكيف وصلت الأمور إلى طريق مسدود أمام فرص تشكيل حكومة وحدة فلسطينية بين quot;حماسquot; وquot;فتحquot; عندما وقف الرئيس محمود عباس متجهماً عاجزاً ينعي فرص الحلول بحضور رايس في أريحا من الوصول لنهاية الطريق.
يضاف إلى هذا أن سياسة المحاور، باتت واضحة. رايس تعود للمرة الثانية للاجتماع مع ممثلي quot;محور الاعتدالquot; لمواجهة quot;محور التشددquot;. وquot;لجنة بيكرquot; تقترح الانفتاح على إيران وسوريا. وهذا الاقتراح سيضعف دول الاعتدال على حساب تقوية إيران وقيادتها لمحور التشدد. وهذا ما تم إبلاغه لبوش ورايس بوضوح. وقد قالت quot;الفايننشال تايمزquot; إن بعض دول محور الاعتدال عبرت عن شكها في قدرة إيران على وضع حد للعنف في العراق، ونبهت بوش إلى ذلك وإلى الحاجة إلى الوقوف مع السُّنة في العراق ليساهم ذلك في السيطرة على أعمال العنف هناك. وهكذا يزداد المشهد احتقاناً وكأنه كتب على المنطقة أن تعيش وسط انسداد الأفق وتكاثر المصائب وعلى أشباح الحروب الأهلية والوصاية والحروب بالوكالة، وقلة الحلول والخيارات.