تحليل: قد يكون للرئيس الأمريكي أهداف نبيلة، ولكن سياسات إدارته ساعدت على دفع المنطقة نحو كارثة مدمرة

سكوت ماكليود

زار الرئيس الأمريكي الأردن وسط إجماع بين الحلفاء في الشرق الأوسط بأن المنطقة بلغت أسوأ حالاتها الآن مما كانت عليه عندما تولى الحكم منذ 6 سنوات مضت. ففي العراق هناك احتمالات ضيئلة في تحقيق أي شيء قد يوصف بأنه انتصار أمريكي - ونتيجة لذلك، فمن غير المحتمل ارسال موجة جزر بوعد نشر الحرية التي تعثرت في العالم العربي، وبدلا ًمن ذلك، فإن العراق قد دخل بالفعل في حرب أهلية تفكيكية بين السنة والشيعة مما يهدد بعدم الاستقرار في كل أرجاء المنطقة.

وفي أماكن أخرى، دخل الفلسطينيون والإسرائيليون طوراً أكثر خطورة من صراعهم المرير والطويل. وفي لبنان، يبدو أن اتفاقية الوحدة الوطنية التي أنهت عقدين من الحرب الأهلية في 1990 م، قد انتهت بالفعل ، حيث وصل الصراع الطائفي إلى حافة الانفجار والتهديد بإراقة الدماء. وفي نفس الوقت، يظل المستبدون من الحكام العرب متحصنين، ويشعر الديمقراطيون العرب بأنهم قد خذلوا، وأن الثورة الإيرانية الإسلامية تستمتع بريح قوية ثانية. بالنسبة لكل الطموح الكبير لتدخلات الرئيس بوش في الشرق الأوسط، قدم دبلوماسي غربي مخضرم لمجلة التايم تقويماً في صورة قاتمة، حيث يقول: quot;المنطقة في فوضى خطيرة قلما رأيتها هكذا منذ أمد بعيد. فهناك حالات غير مسبوقة من الصراعات المتشابكة والتهديداتquot;.

حقيقة أن بوش يتباحث مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ليس في بغداد، ولكن في عمّان، العاصمة الأردنية الهادئة نسبياً، إلا أنها لم تذهب بلا ملاحظة أن: quot;أكثر من 150 ألف جندي أمريكي لايستطيعون تأمين الحماية لرئيسهمquot;، حيث سخر أحد الصحفيين الأردنيين، الذي سمى اختيار المكان quot;على أنه إقرار صريح بالفشل الذريع لواشنطن ولحلفائها في مشروعها في العراقquot;.

لذلك، كيف سارت الأمور إلى الخطأ؟ إدارة بوش لا تلام كلية لأن الشرق الأوسط منطقة صعبة ومن مشاكله العديدة القمع والكبت والتطرف والصراع، وهذا موجود منذ عقود مضت. بوش يستحق المصداقية، لأنه قلب السياسة الأمريكية - على الورق إن لم يكن عملياً - وشجع الديمقراطية في العالم العربي وطالب بدولة فلسطينية مستقلة. ولكن إدارة بوش ارتكبت خمسة أخطاء قاتلة ساهمت في الأزمة التي وجدت نفسها فيها الآن.

1- بوش تجاهل الفلسطينيين:

حتى الأسبوع الأخير قبل أن يترك بيل كلينتون الرئاسة في يناير 2001 م، كان المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون يحاولون العمل والخروج بنهاية طموح باتفاقية تنهي الصراع. صحيح أن الزعيم الفلسطيني هو الذي أشعل الانتفاضة وكان الإسرائيليون على وشك انتخاب أريل شارون رئيساً للوزراء، الذي كان عدواً لدوداً لعملية أوسلو للسلام، ولكن الطرفين كانا لا يزالان في المحادثات والمفاوضات. وعندما أصبح بوش رئيساً أنهى الوساطة الأمريكية الحاسمة وأهمل عرفات وساند شارون الذي شرع في توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. ومع اشتداد الصراع وإراقة الدماء مات عرفات، وأقصت حماس - الحزب الأصولي الذي يرفض بشدة حتى الاعتراف بإسرائيل، ولا التفاوض معها، حزب الرئيس الفلسطيني من السلطة الحكومية وبجانب إغضاب الرأي العربي، فإن عدم وجود عملية سلام عربية - إسرائيلية تعالج أيضاً احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية قد شجعت على قيام دمشق بأعمال شريرة مما يجعلها متهمة بأنها تساعد المتمردين المناهضين لأمريكا في العراق والقيام باغتيالات سياسية في لبنان.

2 - بوش غزا العراق:

بعد أحداث سبتمبر 2001 م أصبح بوش مقتنعاً بأن صدام حسين كان يسعى لامتلاك أسلحة نووية وبأنه يمثل تهديداً قاتلاً للغرب. واعتقد أيضاً أن طرد صدام حسين قد يحول العراق إلى دولة ديمقراطية وتصبح نموذجاً تحتذيه بقية الدول العربية. اتضح أن صدام لم يكن يملك أسلحة نووية، واتضح أن العراق يتجه أكثر إلى الحرب الأهلية. وقد غدت دولة فاشلة على وشك أن تتقطع أوصالها عرقياً إلى دويلات صغيرة مما يشعل المنطقة كلها إلى مشكلات طائفية قاتلة.


3 - بوش أساء الحكم على إيران:

بعدما أصبح بوش مباشرة رئيساً، أعاد الإيرانيون انتخابهم للرئيس محمد خاتمي الذي مد يديه إلى الولايات المتحدة وطالب بفتح حوار بين الحضارات، فلم يكتف بوش فقط برفض مد غصن الزيتون بحذر، الذي كان كلينتون قد شرع فيه، بل أعلن أن إيران جزء من محور الشر، وترك خاتمي منصب الرئاسة باتهامه بالفشل في منهجه التصالحي، حيث حل محله الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد الذي شرع في تشجيع الطموحات الإيرانية النووية والدعوة إلى إزالة أسرائيل من الخريطة. ورغم كلام بوش العنيف ضد إيران، فإن الحرب في العراق قد وسعت بصورة قوية جداً من تأثير إيران في الدولة وجعلت الأمور أكثر سوءاً، صمد حزب الله حليف إيران في الحرب الإسرائيلية القاتلة ضد المدنيين لأكثر من شهر في الصيف الماضي وهي تتحفز الآن لخلع الحكومة اللبنانية الموالية لأمريكا.

4 - بوش أضر بإسرائيل:

لو أن حماية إسرائيل كانت هدفاً رئيساً لسياسات الإدارة الأمريكية فمن الصعب أن نرى كيف أنها ساعدت على جعل الدولة اليهودية أحسن حالاً اليوم. فبعد التخلص من عرفات واجهوا بدلاً من ذلك حماس والهجوم الصاروخي المستمر من غزة، وهذا أبرز حدود ما يمكن لإسرائيل أن تنجزه من خلال خططها لرسم حدودها من جانب واحد. إن المواجهة في لبنان في الصيف الماضي والحرب الفوضوية في غزة تبرز أيضاً حدود القدرة المتدهورة لمزايا الجيش الإسرائيلي، إن نشر عدم الاستقرار في المنطقة ليس في مصلحة طويلة الأمد إسرائيل، وكذلك إيران النووية.

5 - بوش عزل المسلمين:

إنها كانت خطوة سيئة مخلصة، ولكن المشكلة بدأت عندما وعد بوش بأن يشن حرباً صليبية ضد القاعدة بعد أحداث سبتمبر 2001 م، حيث قرن بفعالية حربه على الإرهاب بالغزو المسيحي القديم للشرق الأوسط الذي لايزال محفوراً في الذاكرة الجماعية للمسلمين. ومنذ ذلك الحين فإن تداخل إدارة بوش دعم الحروب العسكرية ضد العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين قد أشعل الغضب الإسلامي ضد أمريكا، وهدم المكانة السياسية التي كانوا يحظون بها من جانب العرب المؤيدين المعتدلين لأمريكا، بما في ذلك الحلفاء القديمون مثل الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، مضيف بوش في زيارته الحالية للشرق الأوسط.