خالد أحمد عثمان
أوضحنا في مقال سابق أن إيران نجحت في استخدام النفط سلاحا اقتصاديا بطريقة إيجابية لدرء المخاطر في معركتها السياسية الدائرة حول برنامجها النووي, حيث لجأت إلى بناء شبكة مصالح قوية في مجال النفط والغاز تربطها ببعض الدول التي تتمتع بوزن مؤثر في العلاقات الدولية, وفي مقدمتها روسيا والصين اللتان تملكان حق النقص quot;الفيتوquot; في مجلس الأمن الدولي, وأن هذه الطريقة ساعدت إيران, إلى حد كبير, على تعزيز مركزها التفاوضي وقدرتها على مواجهة الضغوط الغربية. ولقد حدثت في الآونة الأخيرة تطورات سريعة في المواقف الدولية حيال أزمة البرنامج النووي الإيراني, لها انعكاسات على صناعة وتجارة النفط العالمية. ولذلك فقد يكون من الملائم الإشارة إليها في عجالة وتناولها بالتعليق.
فإيران عادت من جديد إلى استعراض عضلاتها النفطية من خلال التهديد باستخدام النفط سلاحا بطريقة سلبية, أي بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية, وبالتالي منع ناقلات النفط من المرور عبر هذا المضيق الدولي في حال فرض عقوبات دولية عليها بسبب برنامجها النووي, إذ صرح يحيى رحيم صفوي قائد الحرس الثوري الإيراني في 18/11/2006 بأن quot;العقوبات لم يكن لها أبدا أي تأثير في إرادة الشعب الإيراني خلال 27 عاما مضت. وإذا فرضت أي عقوبات, فإن وجود ساحل الخليج الذي يمتد إلى ألفي كيلو متر ومضيق هرمز الذي يمر عبره 17 مليون برميل من النفط يوميا يمكنه أن يسبب متاعب للعالمquot;. وتعيد تصريحات صفوي إلى الأذهان تصريحات مماثلة سابقة لبعض المسؤولين الإيرانيين, نذكر منها تصريح المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في شهر حزيران (يونيو) الماضي, حيث حذر الولايات المتحدة من أن إيران قد تستخدم النفط سلاحا لمواجهة أي ضغوط أو هجوم عليها, قائلا quot;إذا ارتكبتم خطأ واحدا في حق إيران, فمن المؤكد أن التزويد بالطاقة سيكون في خطر كبيرquot;. وكذلك التصريح الذي أدلى به شهر آب (أغسطس) الماضي علي لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني والمسؤول المكلف بالملف النووي, حيث قال إن فرض العقوبات على بلاده سيجبرها على استخدام النفط كسلاح, وقال أيضا quot;لا تجبرونا على أن نفعل شيئا يجعل الناس تقشعر من البردquot;.
ولا شك أن استخدام النفط بهذه الطريقة السلبية, أي منع الإمدادات النفطية الخليجية من عبور مضيق هرمز سلاح ذو حدين, لأنه سيصيب أيضا إيران بخسائر وأضرار باهظة لأن إمداداتها النفطية ستتوقف أيضا في هذه الحالة عن الضخ والتصدير, ما سيؤدي إلى إصابة معظم أوجه النشاط الاقتصادي في إيران بالشلل, يضاف إلى ذلك أن إيران تملك عددا قليلا من مصافي التكرير وأنها تستورد نحو 40 في المائة من استهلاكها من البنزين من بعض الدول الخليجية المجاورة, ولذلك فإن أي تعطيل أو أذى يلحق بالمنشآت والمرافق النفطية في الدول الخليجية المجاورة سيلحق ضررا بالغا بإيران أيضا. وفوق هذا وذاك فإنه إذا أغلقت إيران مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية فإن ذلك يعني في الواقع إعلانها الحرب ضد دول العالم المستوردة للنفط الخليجي, وهو أمر ستترتب عليه نتائج خطيرة وتبعات ثقيلة ليس بمقدور إيران تحملها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس سبق أن قللت من أهمية التهديدات الإيرانية بوقف الإمدادات النفطية لأن إيران تعتمد في النهاية كثيرا على دخلها من النفط الذي يشكل 80 في المائة من موازنتها, ولذلك فإن زعزعة السوق النفطية العالمية ستسبب مشكلة خطيرة لإيران.
وترتيبا على ما سبق نقول إن الأجدر بإيران أن تكف عن التهديد باستخدام النفط بهذه الطريقة السلبية وأن تركز على استخدامه سلاحا بطريقة إيجابية عن طريق دعم وتوسيع شبكة مصالحها النفطية مع العديد من الدول, خصوصا التي لها وزن مؤثر في السياسة الدولية.
ويبدو أن التهديدات الإيرانية الجديدة جاءت ردا على حث الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي على التعجيل بإصدار قرار معاقبة إيران, حيث معروض على مجلس الأمن مشروع قرار أوروبي أعدته بريطانيا, فرنسا, وألمانيا وأيدته الولايات المتحدة, يقضي بفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي. ولاسترضاء روسيا والصين فقد أكد نيكولاس بيرنز وكيل وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تريد أسلوبا تدريجيا للعقوبات ضد إيران, وشدد على أن النفط والغاز لن يكونا ضمن جولة أولى من الإجراءات العقابية. وقال بيرنز للصحافيين quot;لن تشمل عقوبات اقتصادية كاملة, ستكون عقوبات موجهة إلى الصناعة الإيرانية وإلى برنامجها للتحويل والتخصيب ولبرامجها الصاروخيةquot;. أي أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين أرادوا الحصول على موافقة روسيا والصين على مشروع القرار المذكور عن طريق غواية هاتين الدولتين بأن مصالحهما مع إيران في مجال النفط والغاز لن تمس.
لكن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حذر السبت 18/11/2006 المجتمع الدولي من مخاطر تضييق الخناق على إيران وكوريا الشمالية بحملهما على التخلي عن طموحاتهما النووية. كما أن روسيا والصين اقترحتا تعديلات على مشروع القرار الأوروبي, الذي يتضمن حظر بيع أو تقديم معدات أو تكنولوجيا أو تمويل يسهم في البرامج النووية أو برامج الصواريخ ذاتية الدفع الإيرانية. وتضمنت مقترحات روسيا والصين الخاصة بتعديل مشروع القرار المذكور خفض قائمة العقوبات إلى النصف, كما دعت إلى منح دول العالم الحرية في تحديد نوع السلع التي يمكن توريدها لإيران, كما تضمنت هذه المقترحات حذف فقرات رئيسية من مشروع القرار تشمل حظر السفر وتجميد الأصول, كما رفضت روسيا أن ينص القرار بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدا واضحا للسلم والأمن الدوليين. وطلبت روسيا أن يستبعد من القرار ذكر محطة بوشهر النووية التي تبنيها روسيا في جنوب غربي إيران.
وتقول روسيا إن التعديلات المقترحة من قبلها ستحول دون عزل إيران وتشجعها على التفاوض بجدية. واعترف وكيل وزارة الخارجية الأمريكية بوجود خلافات تكتيكية مع روسيا والصين بشأن إيران، ولكنه زعم أن كل الأطراف اتفقت على الاستراتيجية الأساسية بضرورة معاقبة إيران, ولكن الأمر يحتاج إلى تحديد ما العقوبات الملائمة ثم بعد ذلك التدرج في الضغط على إيران. لكن الواقع يشير إلى عكس ما قاله المسؤول الأمريكي, إذ مازال من غير اليسير إنجاز اتفاق بين الدول الخمس التي تملك حق النقض quot;الفيتوquot; في مجلس الأمن حول معاقبة إيران.
وفي 20/11/2006 أكد موريس مالاخوف نائب مدير إدارة المعلومات والإعلام في وزارة الخارجية الروسية, أن روسيا لن تسمح بتوقيع عقوبات على إيران, معتبرا الضغوط الدولية التي تقودها الولايات المتحدة, تهدف فقط إلى إنزال العقوبات على إيران وليس منعها من إنتاج القنبلة النووية. وقال مالاخوف في تصريحات لجريدة quot;الشرق الأوسطquot; خلال زيارته القاهرة, إن روسيا تشجع إيران على الاستمرار في برامجها النووية لتوليد الطاقة, خاصة أنه لا يوجد دليل على اتجاه إيران إلى تصنيع القنبلة النووية, إلا أنه أقر بضرورة أن تستجيب إيران للإرادة الدولية وأن ترد على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أنشطتها في هذا المجال, وأن تفتح جميع المواقع لمفتشي هذه الوكالة لإزالة أي شكوك حول أهداف برنامجها النووي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة سبق أن هددت بتكوين تحالف مع بعض الدول لفرض عقوبات على إيران في حال لم يوافق مجلس الأمن الدولي على هذه العقوبات, وهو أمر وإن كان غير المستبعد تحقيقه إلا أنه قد لا يكون له أثر كبير فضلا عن أن تحقيقه قد يستغرق وقتا غير قصير. ويبدو أن الوقت يعمل ـ كما قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد, لصالح إيران من أجل تطوير برنامجها النووي. بل إن الرئيس الإيراني أكد أن بلاده مستعدة للإقدام على الخطوة الأخيرة لإنجاز برنامجها النووي, معربا عن أمله في أن تحتفظ إيران بحقها في امتلاك الطاقة النووية بنهاية السنة الإيرانية في آذار (مارس) المقبل دون أن يوضح معنى ذلك. ولكن يلاحظ هنا أن الرئيس الإيراني أشار إلى حق إيران في امتلاك الطاقة النووية وليس الأسلحة النووية.
تبقى بعد ذلك كلمة أخيرة في هذا الشأن, وهي أن أزمة البرنامج النووي الإيراني وما يصاحبها بين الحين والآخر من تهديدات عسكرية وتهديدات بوقف إمدادات النفط عبر مضيق هرمز, تعتبر أحد الأسباب الرئيسة لتقلبات أسعار النفط. ولذلك فإن من العوامل المساعدة على استقرار منطقة الخليج واستقرار أسعار النفط أن تكف الولايات المتحدة وإيران عن التهديدات وأن يركزا على الحل السياسي لأنه الأسلوب الوحيد لتسوية هذه الأزمة, والذي يتفق مع قواعد القانون الدولي العام, وفي مقدمتها قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية. كما يجب على إيران ألا تنسى مبدأ حسن الجوار, الذي يعتبر أحد مبادئ القانون الدولي العام, الذي يلزم إيران بأن تمتنع عن أي إجراء أو تدبير من شأنه الإضرار بمصالح الدول الخليجية المجاورة, والتي إن كان القلق يساورها من هذا البرنامج بسبب الخشية من احتمال تحوله إلى الأغراض العسكرية أو من احتمال أن يحدث آثارا ضارة في بيئة إقليم الخليج, إلا أنها أيدت حق إيران في امتلاك التقنية النووية طبقا للقواعد والضوابط التي حددتها الاتفاقية الدولية لمنع الانتشار النووي, ودعت دائما إلى تسوية أزمة هذا البرنامج بالوسائل السلمية.
محام ومستشار قانوني ـ جدة
التعليقات