الجمعة 22 ديسمبر2006

سعد محيو


ماذا جرى حقاً بين الرئيسين بوتين والأسد؟

كل شيء، ولا شيء.

فالرئيس الروسي لم يشر في بيانه العلني إلى مسألة المحكمة الدولية في لبنان. لكن مصادره ldquo;أكدتrdquo; ضرورة استكمال لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رفيق الحريري عملها، وكذلك إنشاء المحكمة الدوليةrdquo;. وهو (الرئيس) لم يتحدث لا عن وساطة ولا عن صفقة بين دمشق وبيروت، لكن صحفه أكدت انه يطرح بالفعل مثل هذه الصفقة: لاتسييس للمحكمة، في مقابل لا إسقاط لحكومة السنيورة.

ثم: الرئيس الروسي ترك الرئيس السوري ليتحدى واشنطن وليطالب بدور كبير لموسكو في الشرق الاوسط، فيما اكتفى هو بالدعوة إلى ldquo;توفير الظروف الدولية والإقليمية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسطrdquo;. لماذا هذا الحذر الروسي الشديد؟

لأن روسيا البوتينية تحاول منذ اكثر من خمس سنوات أكل العنب الدولي من دون إغضاب الناطور الأمريكي (او بدون إغضابه كثيراً على الأقل). فهي، مثلاً، ldquo;تشاغبrdquo; على أمريكا في مجلس الامن حيال إيران، لكنها لا تحشرها إلى درجة دفعها لطردها من مجموعة الثماني الكبار. وهي تبني ldquo;محطة تموينrdquo; عسكرية في مرفأ طرطوس السوري وتزود دمشق ببعض الأسلحة المتطورة، لكنها لا تستفز واشنطن بتحويل المحطة إلى قاعدة بحرية علنية، أو بتزويد سوريا بأسلحة متطورة قد تزعج ldquo;إسرائيلrdquo;.

موسكو، بتعابير أخرى، تسعى لشجار مع واشنطن يمكن ان يعيدها إلى شاشة رادارات الدول الكبرى، لكنها تخشى في الوقت ذاته العودة إلى حرب باردة لا هي قادرة اقتصادياً على خوضها، ولا بالطبع كسب سباق التسلح فيها.

كيف يمكنها تحقيق ذلك؟

عبر استراتيجية جديدة هي مزيج بين التنافس والتعاون (coopetition) مع الولايات المتحدة. وهو نهج مثير دشنه بوتين في أواخر العام 2002 بزيارة لكوبا، اكثر المواقع السوفييتية السابقة قربا من الشواطئ الأمريكية، حيث أعلن من هناك انه لا ينوي احياء التحالف الروسي الكوبي ضد أمريكا، لكنه لا ينوي ايضا التخلي عن النفوذ الروسي وعن اصدقاء موسكو.

النهج ذاته طبقه الرئيس الروسي في أوروبا. فهو دعم المشروع الأوروبي لاقامة قوة عسكرية أوروبية مستقلة (التعاون)، وحرك في الوقت ذاته الصواريخ النووية التكتيكية الروسية إلى مدينة كالينغراد المطلة على بحر البلطيق كتحذير من مغبة توسيع حلف الاطلسي (التنافس).

وفي الشرق الاوسط، قام بوتين بنسف اتفاق آل غور- تشيرنوميردين الذي وقع العام 1995 وتضمن تعهداً من روسيا بعدم بيع إيران اسلحة متطورة، مقابل حصولها على مساعدات مالية وتكنولوجية أمريكية (التنافس)، لكنه في الوقت ذاته تعهد بالعمل لوقف انتشار اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط (التعاون).

وأخيرا، وفي أواخر العام الماضي قامت روسيا بعرض عضلاتها العسكرية خلال قمة ldquo;آبيكrdquo;، فأرسلت طائرات ldquo;سوخويrdquo; لتحلق بشكل غير مرئي على شاشات الرادار فوق حاملة الطائرات الأمريكية ldquo;كيتي هاوكrdquo;، مؤكدة بذلك الانباء عن امتلاكها تكنولوجيا ldquo;الطائرات الخفيةrdquo; (ستيلث). وفي الوقت ذاته، بثت موسكو اشارات إلى واشنطن بأنها مستعدة للوصول إلى حل وسط معها بشأن برنامجها للدفاع ضد الصواريخ.

والآن، تستعد روسيا للدخول مجدداً بقوة إلى الشرق الاوسط عبر البوابات السورية والإيرانية(وربما أيضاً الجزائرية والخليجية)، محاولة الإفادة من المآزق الأمريكية في العراق وبقية الشرق الأوسط.

فهل تنجح؟ وما الأوراق الرئيسية التي تمتلكها في هذه اللعبة الكبرى الجديدة؟