السبت 23 ديسمبر2006

كينيث بالين

من المرجح جداً أن تكون السفينة quot;ميرسيquot; التابعة للبحرية الأميركية هي القائدة الأولى لحرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب. لكن، خلافاً للتوقعات لا تحمل تلك السفينة أية أسلحة، كما أنها لا تطلق الصواريخ، بل بالعكس من ذلك تماماً، فما أعدت سفينة quot;ميرسيquot; إلا لخدمة أهداف السلام. فالسفينة مجهزة بمستشفى تصل قدرته الاستيعابية إلى ألف سرير، حيث رجعت في شهر سبتمبر الماضي من مهمة توفير الرعاية الصحية، والتدريب لسكان إندونيسيا وبنجلادش وتيمور الشرقية والفلبين. وتأتي هذه المهمة في إطار المشاريع الإنسانية التي تشرف عليها الحكومة الأميركية من خلال سلاح البحرية، مثل quot;مشروع الأملquot; لمساعدة السكان في المناطق المنكوبة، والتي شملت إجراء 61 ألف عملية جراحية لمن يحتاج إلى ذلك من المرضى.

وفي ظل الشكوك المتصاعدة حول الاستراتيجية الأميركية في العراق، والطريقة الأمثل للتصدي لخطر الإرهاب والتطرف في العالم، يبدو أن هناك سياسة أميركية واحدة أثبتت نجاحها في أكثر من مرة خلال السنتين الأخيرتين متمثلة في المهم الإنسانية التي قامت بها الولايات المتحدة بواسطة الجيش الأميركي. فبالإضافة إلى أن هذه السياسة المرتكزة على التدخل الإنساني تخدم مصالح الجيش وأميركا، كما تسهم في معالجة الأزمات الإنسانية الطارئة، فإنها أيضاً تسهم في الحد من المشاعر المناهضة لأميركا في العالم الإسلامي. والأكثر من ذلك أظهرت استطلاعات الرأي تحسناً ملحوظاً في مواقف الرأي العام في بعض الدول الإسلامية من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار صرح الأدميرال quot;مايكل مولينquot;، قائد العمليات البحرية الأميركية، أنه بسبب ردة الفعل الشعبية الإيجابية إزاء تدخل سفينة quot;ميرسيquot; في كل من إندونيسيا وبنجلادش -وهما أولى وثالث أكبر الدول من حيث عدد المسلمين في العالم على التوالي- تعتزم البحرية الأميركية استكمال وتوسيع مهامها الإنسانية في مناطق أخرى من العالم.

وقد نتج عن التدخل الإنساني الأميركي عقب كارثة quot;تسوناميquot; المدمرة التي ضربت إندونيسيا في ،2004، تغير كبير في المواقف الشعبية من الولايات المتحدة، بل وتزامن هذا التغيير مع انحسار الدعم لأسامة بن لادن والعمليات الانتحارية. ونفس الشيء حدث مع تدخل الجيش الأميركي في باكستان بعد الزلزال الذي هز البلاد والمساعدات الإنسانية التي قدمها للناجين، حيث ارتفعت نسبة التأييد للولايات المتحدة، لاسيما وأن باكستان حليف رئيسي في الحرب على الإرهاب. وحسب الأدميرال quot;مولينquot; تشكل رغبة أميركا في الحفاظ على هذا التغيير في المواقف الشعبية تجاهها السبب الرئيسي وراء إعلان البحرية الأميركية عن انطلاق مهمتها الأخيرة. فقد ساهم التدخل الأخير للسفينة quot;ميرسيquot; في كل من إندونيسيا وبنجلادش، بما وفرته من رعاية صحية وتدريب، في تحسن سمعة أميركا في العالم. وهي النتيجة التي تؤكد، مع تجارب أميركية سابقة للتدخل الإنساني لمساعدة ضحايا quot;تسوناميquot; والزلزال الباكستاني، أن المهام الإنسانية التي يشرف عليها الجيش الأميركي تواصل حصد مكاسب واضحة للولايات المتحدة ما ينعكس إيجاباً على صورتها العالمية.

وتشير استطلاعات الرأي التي أجريت في إندونيسيا وبنجلادش في صيف 2006 عقب الزيارة التي قامت بها السفينة quot;ميرسيquot; التابعة للبحرية الأميركية، إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة المواقف الإيجابية إزاء أميركا وصلت إلى 85% في إندونيسيا و95% في بنجلادش. ومهما كانت المواقف السابقة للسكان في البلدين حيال بعض القضايا مثل تأييد أسامة بن لادن، أو مساندتهم للعمليات الانتحارية، فإن استطلاعات الرأي تبرز أن 87% من المستطلعة آراؤهم أكدوا أن تدخل سفينة quot;ميرسيquot; في بلدانهم كان السبب الأهم وراء تحسن مواقفهم إزاء الولايات المتحدة. وتشكل هذه المواقف الإيجابية التي كشفت عنها استطلاعات الرأي دليلاً قاطعاً على الدور المتنامي الذي باتت تلعبه المهام الإنسانية للجيش الأميركي في تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم وكسب معركتها في استمالة عقول الناس وقلوبهم.