عبد الرحمن الراشد


الكل في حالة توجس، خشية من تخريب متعمد لموسم الحج الحالي، يغذيه تصاعد التصريحات من الأطراف الإيرانية والمحسوبة عليها، بتحدي الأنظمة في الحج وتحويل المناسبة الدينية إلى سياسية وعنف جماهيري. فمنذ آخر محاولة كبيرة دبرتها إيران في الحج قبل 17 عاما، نحن نعود من جديد للتهديدات القديمة بتسخير المحافل الدينية لأغراض سياسية.

ستكون غلطة إيران كبيرة هذه المرة، إن حاولت العراك في الحج، رافعة شعاراتها السياسية أو داعمة لشعارات غيرها. ستفتح خلافات مذهبية وحزبية وسياسية، وسيعود الدرس نفسه بقوة، عندما رأى أغلبية المسلمين في العالم أن إيران تدوس على مقدساتهم وتهين معتقداتهم. ففي مرتين ماضيتين، في أواخر الثمانينات، حاولت إيران استغلال الحج، ظنا منها أن غالبية المسلمين في العالم سيندفعون وراء رجال دينها، كما يفعل بعض الإيرانيين في طهران، لتصدم بأن الجميع وقفوا ضدها واعتبروها انتهاكا لحرمات شعائرهم، واستغلالا لركن إسلامي في دعاية سياسية مرفوضة. لقد كانت أول مظاهرة نفذها تنظيم (ألبسهم أردية الحج) مفزعة وقبيحة وأمام أبواب الحرم المكي، عندما قام أتباع إيران من حجاجها بجر جندي سعودي بسيط وذبحه أمام عشرات الآلاف من الحجاج.

والتوجس اليوم من أن يفعل الإيرانيون الجريمة نفسها، بشكل مباشر، عبر مندسين بين حجيجهم أو حجاج غيرهم. التخوف مبني على سلوك متصاعد لما تفعله إيران في أماكن أخرى، ومبني على ما صدر عن أناس محسوبين على إيران ، والتلويح بتحويل الحج إلى ساحة دعاية واقتتال لشعاراتها السياسية.

وأعود بكم إلى الجدل القديم حول ما حدث في تلك الفترة المضطربة، المشابهة لما يحدث اليوم، فقد كانت إيران تريد أن تسخر حجاجها لرفع شعاراتها السياسية المعادية للغرب ولدول عربية. قيل حينها إن مطلب إيران خطر على مبدأ الحج القائم على التعبد، الذي يحرم فيه قطع الشجر وحتى تحريم قتل الحشرات. قيل للإيرانيين إن النزاعات بين المسلمين عديدة، وضربوا مثلا بان السماح للإيرانيين، يعني أن على المنظمين للحج أن يسمحوا أيضا لحجاج صدام حسين بأن يرفعوا شعارات تطالب أيضا بقتال الإيرانيين. كان ذلك يعني أن يحول الحج إلى ساحة مظاهرات تدعو إلى الاقتتال بين بعضهم بعضا. في أزمتين خطيرتين، موسمي حج 87 و89، وقفت كل الدول الإسلامية تقريبا بقوة ضد إيران، واضطرت إيران، بعد أن تسببت في سفك دماء مئات من الحجاج ورجال الأمن، الى أن تتراجع وتتعهد بعدم العودة إلى تخريب الحج. وها نحن بعد سنوات من مواسم الحج الهادئة سياسيا، نقف على حافة من الاشتباك في مكان مكتظ بأكثر من مليوني حاج، وفدوا من أنحاء العالم، ما لم يتخذ العالم الإسلامي موقفا واضحا وصريحا، بتحذير إيران، والمحسوبين عليها، من ارتكاب حماقة كبيرة، بمعاداة البحر الكبير من المسلمين الذين سيعتبرونه تجاوزا خطيرا.

[email protected]