الأربعاء 27 ديسمبر2006


خيري منصور


تخوض الجامعة العربية منذ زمن ليس بالقصير حربها الخاصة في الدفاع عن ضرورتها القومية وفي درء سلسلة من الاتهامات لها ولأمنائها المتعاقبين بأنهم فشلوا في تحقيق الأهداف التي أنشئت الجامعة من أجلها، هذا اضافة الى حربها الاقتصادية المتعلقة بتسديد الأعضاء للحصص التي غالبا ما تحجب أو تؤجل، وليس صحيحاً الادعاء بأن الجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسى تتعرض الآن لأعسر الاختبارات في لبنان، وهذا ليس تقليلاً من شأن ما يجري في هذا البلد العربي الذي اشتبك مع نفسه عدة عقود، فقد يكون ما يتعرض له الآن أشد خطورة من كل ما تعرض له من قبل، لكن اختبار الجامعة في المسألة العراقية عبر عدة حلقات من المسلسل الدرامي المعروف كان أعسر من أي اختبار آخر، وربما كان بداية ثانية لأزمة مزمنة، بعد تلك البداية التي شهدت رحيل الجامعة من موقعها في أواخر السبعينات من القرن الماضي.

وقد يكون التمديد أو المهلة الإضافية لمهمة عمرو موسى في لبنان محاولة للترميم. وهو ترميم مزدوج لدور الجامعة والدفاع عن جدوى استمرارها من جهة وترميم ما تشظى من لبنان، الذي ما إن نهض من دفن شهدائه الألف في الحرب الأخيرة حتى وجد نفسه على تخوم حرب وشيكة، فالحروب تبدأ بالكلام وبالتراشق بالاتهامات، والتخوين المتبادل بين الأطراف المتنازعة، والحروب الأهلية تمر بعدة أطوار منها البارد والدافئ قبل أن تندلع بكامل تعريفها وأسلحتها وثأريتها العمياء.

نعرف بالطبع ان الجامعة ليست خارج الجاذبية لهذا الواقع العربي المتذرر بل المتآكل وأنها محكومة بشروط لا تعوق الحركة فقط، بل تشلها، ولو أتاح العرب لهذه المؤسسة القومية، وهي آخر القواسم المشتركة في حاضرهم السياسي الذي يعيد الى الذاكرة حقبة ملوك الطوائف، لما كان المشهد على ما هو عليه، لأن تعريب الحلول كان سيصبح البديل لتدويلها وأقلمتها، لكن إفراغ الجامعة من المضمون الفاعل، والإبقاء على دور بروتوكولي لم يلحق الضرر بالمؤسسة وحدها، بل بالأعضاء كلهم، لأنهم في اللحظات الحاسمة لا يجدون مرجعية تتجاوز أمزجتهم السياسية الخاصة، ويضطرون الى الاستعاضة عن الاستراتيجية بالحلول الموضعية المؤقتة بحيث يعيشون نهارهم السياسي من وجبة الى وجبة كالمتسولين.

ويأيتهم الغد بأخبار لم يزودوا القادم بها بما سيقول.

ان اختبارات الجامعة المتعاقبة والعسيرة هي في الوقت ذاته اختبارات لما تبقى من عرب على قيد عروبتهم، خصوصا في هذه المرحلة التي ثبت فيها بالتجربة ان الدولة المتشرنقة والتي تتوهم الاكتفاء الذاتي سياسياً وسيادياً وأمنياً، هي آخر من يعلم بالمصير المحتم، وهو تحولها الى يتيمة على مآدب اللئام.

ولو عاد هذه المرة أمين عام الجامعة بخفي حنين من بيروت، فإن الاخفاق لن يكون من نصيبه ونصيب المؤسسة التي يقودها فقط، بل هو موزع بالتساوي بين الأقطار الأعضاء في هذه المؤسسة، لأن الجامعة لا تجترح معجزات، وموسى لا يحمل معه عصا سحرية، يشق بها البحر في بيروت أو دجلة في بغداد أو النيل في السودان.

ومن يفرطون في تحميل الجامعة وزر البطالة السياسية والفشل المتكرر، عليهم أن يفطنوا الى أنها حاصل جمعهم، فهي صفر ان كانوا مجرد أصفار وأرقام فلكية إذا كانوا على قدر مزاعمهم وثرواتهم.