راجح الخوري



تشكل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى المملكة العربية السعودية يومي 11 و12 شباط المقبل محطة بارزة على طريق ترسيخ التنسيق السياسي بين البلدين، الذي كان الملك عبدالله قد بدأه في زيارته التاريخية الى موسكو عام 2003، والتي أسست لمفهوم سعودي براغماتي في ترتيب العلاقات الاقليمية والتوازنات الدولية الكبرى في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

واذا كانت زيارة العاهل السعودي الى موسكو قد شكلت فتحا بالمعنى السياسي انطلاقا من المعطيات والتحالفات التي كانت قائمة قبل العام 2003 فان زيارة الرئيس الروسي الى الرياض الآن ستشكل منطلقا لتأكيد أهمية هذه التوازنات والحقائق التاريخية في الشرق الاوسط والخليج، ولابراز الادوار الاقليمية وأهمياتها السياسية بعيدا عن دعاوى المحاور وقرع طبول الصراعات الحالية فوق منطقة تشكل خزانا هائلا للنفط ويعتبر الطقس فيها لاهبا بحد ذاته!
ويمكن العلاقات السعودية ndash; الروسية التي تتنامى في شكل لافت وثابت منذ عام 2003، ان تعيد تثبيت القواعد وترسيخ الاصول الاقليمية، بعدما ثبت مثلا ان quot;الشرق الاوسط الجديدquot; لا يصح أن يكون أميركيا بادارة واشنطن، وان quot;الشرق الاوسط الاسلامي الجديدquot; لا يمكن ان يكون ايرانيا بادارة طهران، التي لا تتوانى عن التكرار انها ستلحق الهزيمة بالاميركيين في المنطقة، انطلاقا من العراق ولبنان وفلسطين، الان ومن ثم في باقي دول المنطقة.

واذا كان واضحا تماما من خلال التطورات الحاسمة التي تتزامن اقليميا ودوليا مع زيارة بوتين، ان موسكو التي لعبت دورا أساسيا في البرنامج النووي الايراني، تحرص على موازنة علاقاتها الاقليمية بدقة شديدة من خلال ترسيخ علاقاتها مع السعودية، التي لها دور ريادي تاريخي في منطقة الخليج وداخل دول المجموعة العربية كلها، فان السعودية كانت سباقة في ابداء الحرص على توازن علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى، وفي الايحاء ايضا، بأن الملك عبدالله يعرف تماما ان ترسيخ العلاقات السعودية التقليدية مع أميركا بات يستدعي قيام علاقات تعاون مع روسيا وأن العلاقات مع اميركا وروسيا باتت تفرض بدورها توطيد العلاقات اكثر مع دول القارة الاوروبية!

❑❑❑

ويعرف بوتين وهو آت الى الرياض انه يفترض ان يكون بعيدا جدا عن سياسة مناكفة الاميركيين، في بلد يكتسب أهمية تاريخية عندهم، ليس بسبب ثرواته النفطية والاستثمارية فحسب، بل بسبب دوره الاقليمي والعربي وسياسة التضامن وحل المشاكل العربية والاسلامية، التي أكسبته تأثيرا عميقا في الدول العربية والاسلامية.
وفي المقابل تعرف الرياض وهي تستقبل بوتين، انها لا تقفل الباب ولو بوصة واحدة في وجه واشنطن، لكنها تمضي في تشريع أبوابها على شبكة متنامية من العلاقات الدولية التي تفعّل دورها على المستويين الاقليمي والدولي.

❑❑❑

واذا كان بوتين من اللافت ان يصطحب معه وفدا كبيرا يضم وزراء الخارجية والنفط والاقتصاد، فان من المثير الحديث عن امكان قيام روسيا بتزويد السعودية 150 دبابة حديثة من طراز quot;ت اس 90quot; المتطورة، والتي تمت تجربتها في الصحراء بعد مباحثات بين خبراء عسكريين من البلدين، ربما لأن هذا الامر يشكل انعطافا مهما في التاريخ التسليحي وقواعده المعروفة في المنطقة.
في نيسان الماضي استقبل وزير الخارجية سيرجي لافروف أمين عام مجلس الامن الوطني الامير بندر بن سلطان في موسكو، حيث اتفقا على ان منطقة الشرق الاوسط والخليج تشهد عددا متزايدا من المشاكل، التي قال لافروف في مجال التعليق عليها: quot;نعتقد ان روسيا والسعودية تتبنيان مواقف متماثلة بصددها. وانهما تبذلان قصارى جهدهما لتجنب أي خطوة من شأنها زعزعة استقرار الوضع او زيادة حدة التوتراتquot;.

هذا الكلام أخذ معناه ورسوخه مع زيارة حاكم منطقة الرياض الامير سلمان بن عبد العزيز الى موسكو في حزيران الماضي، حيث بدا واضحا ان السعودية مصممة على المضي سريعا في رسم خريطة لعلاقاتها الخارجية تستند الى مبدأ التوازن بين كافة القوى العالمية، وهو ما يتناسب أكثر مع أهمية السعودية كلاعب مؤثر وفاعل على المستويات العربية والاقليمية والدولية.

واذا كانت السعودية حرصت دائما على لعب دور الساهر على التضامن بين الاشقاء العرب، وعلى دور الاطفائي لحل مشكلاتهم، فان في وسعها ان تتحرك وسط التوازنات الاقليمية والدولية، لتحول دون نشوب الحرائق واندلاع المشاكل، وهو على سبيل المثال لا الحصر، ما يقوم به على مدار الساعة، السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجه بتوجيه من الملك، وليس سرا ان اتصالاته ومساعيه الحثيثة بالتعاون مع زميله المصري حسين ضرار، هي التي رسمت خريطة طريق للمبادرة العربية الاخيرة.

في أي حال ان زيارة بوتين للرياض تبدو كثمرة مهمة للاختراق الذي بدأه العاهل السعودي قبل أربعة أعوام، وسيكون لها صداها العميق ابتداء من quot;طهران النوويةquot; وما تواجهه الان من عقوبات، وصولا الى واشنطن الغارقة في المستنقع العراقي مرورا بعواصم اقليمية تقلقها تحالفاتها المعاكسة للسير ولا تجد المخارج للهروب، حيث بات من الضروري ان يعاد التأكيد على حقائق التاريخ في هذه المنطقة من العالم، وحيث يمكن ان تشكل زيارة الحاج فلاديمير بوتين اسهاما في هذا التأكيد.