الجمعة 29 ديسمبر2006


إميل أمين

في حصاد العام 2006 يدرك المراقب للمشهد النووي الدولي كيف أن هذه السنة كانت سنة نووية سوداء بامتياز إن جاز التعبير، وقد بات واضحاً أن العالم قد خسر معركته ضد وقف انتشار الأسلحة والتجارب النووية، وليس أدل على صدقية هذا الحديث من تجارب كوريا الشمالية التي أجرتها، إضافة إلى مضي إيران قدماً في برنامجها النووي، وربما كانت هناك أحاديث عن سوق نووية سوداء لم تكشف للعلن، وإنما تتردد في أروقة أجهزة المخابرات الدولية، والتي أضحت تدرك مقدار الخطر المحدق بالعالم من جراء سياسات الانفلات النووي.

والآن، وبعد أن صارت القوى المالكة للسلاح النووي تسع دول يتوقع المحللون العسكريون والأمنيون أن يشهد عام 2007 وما يليه ارتفاعاً في تلك الأعداد، لا سيما أن اليابان وكوريا الجنوبية لن تقفا مكتوفتي الأيدي أمام طموحات كوريا الشمالية من جهة، ومع الإصرار الإيراني على امتلاك السلاح النووي، حتى وإن لم تعلن تلك الرغبة رسمياً فإن عدداً وافراً من الدول العربية والإسلامية لن تكتفي بدور المتفرج جهة امتلاك ايران لقنبلة تستطيع من خلالها تغيير الموازين العسكرية لمصلحتها وهذا بدوره يقود إلى تفعيل نظرية التحدي والاستجابة أو الفعل ورد الفعل.

غير أن التساؤل الذي يطرح نفسه مع غروب شمس ،2006 من السبب وراء هذا الانفجار المتعلق بالسعي والرغبة في امتلاك أسلحة الدمار الشامل الخاصة بالأغنياء وليس بالفقراء، إذا اعتبرنا أن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية هي قنابل الفقراء في مواجهة عتاد الأثرياء النووي؟

الإجابة يمكن تلخيصها في كلمة واحدة ldquo;واشنطنrdquo; المبتدأ والخبر في دفع العالم لسياسات الحافة النووية، لاسيما منذ أن اعتلى بوش الثاني عرش البيت الأبيض.

يكتب جيمس بينكرتون المحلل السياسي والأمني في ال ldquo;واشنطن بوستrdquo; الأمريكية يقول: لماذا نستغرب أو نندهش حينما نرى العالم ينزلق في طريق اللاعودة؟ أليست واشنطن مسؤولة من خلال سياساتها عن دفع العالم لحيازة وامتلاك الأسلحة النووية؟

وعنده أن سياسات بوش الطوباوية التي قسمت العالم تقسيماً مانوياً بين معسكر الخير ومعسكر الشر وإقفاله باب الحوار مع كل من ناوأه الرأي وقبل ذلك وبعده وفيه السير على درب نظريات ليوشتراوس أبي المحافظين الجدد، درب الحروب الاستباقية، هذه السياسات هي التي دفعت وتدفع العالم لمزيد من الجنون النووي.

فالمؤكد أن أحدا من حكام الأنظمة الشمولية في العالم لا يرغب في أن ينتهي به الأمر مثل سلوبودان ميلوسوفيتش أو صدام حسين، ولأن تلك الأنظمة لم تكن نووية فهي كانت ضعيفة، وبالتالي عجزت عن خلق التوازن اللازم للدفاع عن وجودها، حيث أصبح من الأفضل للعديد من الأنظمة سلوك مسار برويز مشرف في باكستان وكيم يونج ايل في كوريا الشمالية.

والحقيقة التي باتت جلية للعيون أن التكنولوجيا النووية لم تعد مرتبطة فقط بالدفاع عن النفس ودرء الأخطار، بل صارت مرتبطة بمفهوم العزة القومية وهو ما لا يستطيع أحد أن ينكره على أي دولة في العالم طالما أن زمان سعي الحمل والأسد معا في ميدان المرعى بعيد المنال، وطالما أن الدول الكبرى تسعى جاهدة لتقزيم العالم من حولها، هل هذا الحديث في حاجة إلى تأكيد؟

إليك أولاً آخر أخبار بريطانيا النووية التابع الأمين للتوجهات البوشية، والتي تمثلت في إعلانها الأسبوع الماضي عن عزمها إنفاق نحو 20 مليار جنيه استرليني (39 مليار دولار أمريكي) لاستبدال غواصاتها القادرة على إطلاق الصواريخ الرادعة المعروفة باسم تريدنت.

أما عن الإمبراطورية المنفلتة على حد وصف المؤرخ الأمريكي الكبير اريك هوبسبوم فحدث عنها ولا حرج، وهو ما يضيق المسطح المتاح للكتابة عن وصف مشروعاتها النووية القائمة والقادمة سواء بسواء، ويكفي إجمال المشهد بالقول إن الميزانية العسكرية الأمريكية للعام الماضي، ولأول مرة منذ سنوات، تشتمل على سيناريوهات خاصة بالاختبارات النووية الجديدة، وهو ما دفع وزير الدفاع الروسي سيرجي ايفانوف لأن يشير في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى أن بلاده تطور صواريخ استراتيجية نووية لن تتأثر بأي أنظمة دفاعية، والقصد من وراء القول هنا شبكة الصواريخ الدفاعية التي تقيمها أمريكا على الأرض وتلك التي تنشرها في البحر ناهيك عن عسكرتها للفضاء.

والشاهد أن نوايا القوى النووية الكبرى لا تغيب عن عيون وناظري الضعفاء ldquo;الذين لا يرثون الأرضrdquo;، لا سيما أنهم يدركون أنه يوما ستصبح سماء الولايات المتحدة محمية سلفا من خلال شبكة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية، تقليدية كانت أو نووية فإن واشنطن ستصير أكثر طلاقة يد في التعامل مع الملف النووي للآخرين، وبالتالي اقدر على إجبار العالم أن يغير نفسه كما تريد له أن يتغير، وعليه فهم يسارعون الريح في العمل ضد معاهدة عدم الانتشار النووي التي وقعت عام 1968 وعززت في 1996 حتى لا يموت زعماؤهم كمداً داخل الزنازين أو يحاكموا على يد الغزاة والأجانب خلف القضبان.

هل يمكن القول إن المارد النووي قد خرج من قمقمه ولا توجد طريقة لإعادته سوى من خلال إطار دولي متعدد الأطراف يعالج مسألة الانتشار النووية؟

أما عن خروجه، فهذه قضية مفروغ منها فيما الحديث عن فكرة الإطار الدولي فأحسبها غير مجدية طالما بقيت هناك إدارة أمريكية ترى أنه ليس على الولايات المتحدة أن تكون دركي العالم أو شريفه فقط، بل عليها أيضا أن تكون منارته ودليله، لا سيما أنها لا ترى شرا في أن تهيمن وتبسط إرادتها على العالم طالما أنها لا تفعل ذلك إلا خدمة لمبادئ صحيحة ومُثل نبيلة تقولبها كيفما شاءت، وأنه ما لم تقم الولايات المتحدة بالمهمات التي أوكلها إليها التاريخ فإن مآل العالم سيكون إلى فوضى؟

والحاصل أن سفن العالم قد أبحرت خلف منارة أمريكا النووية ولم يتبق سوى حديث الانفجار وأسئلة مثل، أين ومتى؟