السبت 30 ديسمبر2006

أحمد المرشد


يبدو أن الشرق الأوسط أمام مشهد لا توجد فيه قوة بعينها قادرة على أن تفرض إرادتها المنفردة أو أجندتها الوحيدة على بقية الأطراف. ولكن هل يعني هذا أن الحلول لن تأتي سوى بحروب أخرى أو عبر صفقات لتسويف القضايا الملحة وتأجيلها الى أجل غير مسمى بغية تكريس صيغة ما تسمى ldquo;الصفقة صفرrdquo;. أي لا غالب ولا مغلوب، ويبقى الوضع كما هو عليه.

فالمتتبع للتطورات السياسية في المنطقة ربما يشغله رؤية مشاهد ليست بعيدة عن بعضها، وإنما جميعها متراصة كقطع الدومينو. وهنا مكمن الخطر، لأن هذه اللعبة شائقة كما تبدو للعيان ومسلية وهي قائمة، ولكن عندما تسقط قطعة واحدة فقط، فهي تجر باقي القطع وينقلب الحال. وهذا بالضبط هو وصف الشرق الأوسط حاليا.

ومع إدراك الولايات المتحدة لهذه الحقيقة، فهي تناور مع القوى الإقليمية بالمنطقة وتحديدا مع سوريا وإيران التي أعلن رئيسها أحمدي نجاد دخوله في مواجهة مفتوحة مع واشنطن وتل ابيب في لعبة لا يعلم مداها الا الله. أما على الجانب السوري، فالوضع مختلف نوعا ما، فدمشق تتعرض في معظم الأحيان لاتهامات أمريكية وrdquo;إسرائيليةrdquo; وغربية بعدم التعاون مع قرارات الشرعية الدولية. ولعلنا شاهدنا إبان الحرب ldquo;الإسرائيليةrdquo; على لبنان، الحرب الإعلامية التي شنتها واشنطن والغرب على دمشق وتعرضها لضغوط تدعوها لوقف التعاون مع حزب الله وتقديم الأسلحة إليه وهي الأسلحة التي واجه بها الآلة العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo; ونجح في إحراج قوتها الرادعة التي طالما افتخرت بها ldquo;إسرائيلrdquo; ولم تعد كذلك بعد الحرب.

ولعلنا نشير أيضا في هذا المقام الى مغازلة الرئيس السوري بشار الأسد لتل أبيب بإمكان فتح مفاوضات جديدة بين الطرفين من دون شروط مسبقة. وكان الرد ldquo;الإسرائيليrdquo; الذي جاء على لسان ايهود أولمرت رئيس الوزراء سلبيا للغاية وخاضعا لإملاءات واشنطن. لدرجة أن أولمرت تعرض لانتقادات بالغة من الإعلام ldquo;الإسرائيليrdquo; واتهم أحد المعلقين في صحيفة ldquo;هاآرتسrdquo; أولمرت بالتخاذل.

والجدل داخل المنتديات ldquo;الإسرائيليةrdquo; لم ينته بعد، لأن بعض ldquo;الإسرائيليينrdquo; أيقنوا الآن أن تل أبيب اصبحت أداة طيعة تحركها واشنطن كيفما شاءت وبما يخدم سياستها تجاه سوريا. فإذا أرادت واشنطن عزل دمشق أمرت تل أبيب بتبني نفس الخطوة، أما إذا نادت بالاقتراب من دمشق دعت تل أبيب الى قبول نفس الرغبة.

ومما يؤكد هذه العلاقة، هو ما ذكره أولمرت أخيراً ldquo;من أن الوقت ليس مناسبا لإخراج سوريا من عزلتها الدوليةrdquo;. وليس من قبيل المصادفة أن يتزامن كلام أولمرت عن العزلة السورية في الوقت الذي كان بشار الأسد يزور موسكو وإجراء محادثات استراتيجية مع فلاديمير بوتين. وجاءت تصريحات الأسد في الكرملين قاطعة ldquo;من يريد عزل سوريا فهو يعزل نفسه عن ملفات الشرق الأوسطrdquo;.

ولاشك أن الأسد كان يوجه كلامه الى الولايات المتحدة ولكن من دون أن يذكرها بالاسم، بل أشار إليها بعجزها عن أداء دورها في المنطقة ldquo;الأطراف التي سعت الى عزل سوريا هي الأقل قدرة حاليا على لعب دور في المنطقةrdquo;.

ومما لا شك فيه، فإن السياسة الأمريكية تجاه سوريا هي سياسة متضاربة، ففي الوقت الذي تشدد فيه اللغة الرسمية على عزل دمشق عن محيطها العربي والإسلامي، فإن تقرير بيكر/هاملتون الخاص بالعراق اكد عدم الاستغناء عن الدور السوري خاصة في العراق، ومن ثم في بقية قضايا المنطقة، ذلك ان استقرار الأوضاع العراقية يعتمد بشكل كبير على سوريا حتى وان أظهرت واشنطن عكس ذلك، وفي الوقت عينه، وفيما كانت الإدارة الأمريكية تصر على عدم محاورة دمشق، كان أعضاء في مجلس الشيوخ من الديمقراطيين والجمهوريين يتقاطرون عليها.

إن الغزو الأمريكي للعراق هو الذي مكن إيران أن تكون لاعباً أساسياً في العراق، وحليفا أساسيا لسوريا، ولاعبا مميزا في لبنان، وعليه، فإن أمريكا تتحمل وزر ما فعلت ولا تلومن إلا نفسها، أما أن تعمل على عزل سوريا عن محيطها العربي والإسلامي، فهذا ليس من شأنها.

* كاتب بحريني