د. حسن مدن


بالنسبة إلى ضحايا نظامه وأعدائه الكثر داخل وخارج العراق يعدّ إعدام الرئيس العراقي السابق باعثاً على الفرح، وبالنسبة لمريديه ومحبيه والمستفيدين من نظامه الكثر أيضاً، يمثل هذا الإعدام باعثاً على الحزن والأسى والحنق. ومن رصد ردود الفعل من داخل وخارج العراق يمكن تبين المشاعر المتناقضة للناس إزاء إعدام صدام، وهو أمر مفهوم إزاء شخصية إشكالية ومعقدة مثل شخصية هذا الرجل الذي حكم العراق حقبة دامت أكثر من ربع قرن حفلت بالمحطات الحاسمة، وإلى حد بعيد تبدو النهاية الدرامية لصدام متسقة مع تاريخه الدرامي أيضاً، والذي عكسه على تاريخ العراق فترة حكمه.

فهو رجل عرف بالشدة والقسوة، لم يتردد في البطش بأقرب رفاقه وحلفائه، لا بل وأفراد عائلته، من أجل أن يحكم قبضته على السلطة التي كان الاستئثار بها مطمحاً دائماً له، رغم أنه لم يحسن استخدامها، حين اندفع وراء مغامرات كبرى كلفت العراق وكلفته شخصياً الكثير، من إعلان الحرب على إيران ومن ثم غزو الكويت وتداعيات كل ذلك، وفي كل الحالات لم يظهر صدام الذي عرف بعناده ومكابرته استعداداً لاستخلاص الدروس الضرورية من ذلك، حتى انتهى الأمر بوقوع العراق تحت الاحتلال، وبصدام نفسه طريداً ثم أسيراً ثم متهماً في قفص الاتهام وأخيراً معلقا على حبل مشنقة.

بإعدام صدام، الذي أثار توقيت تنفيذه في يوم العيد مشاعر استهجان لدى الكثيرين، تكون قد طويت صفحة مثقلة بالأسى من تاريخ العراق الحديث، ورغم أن مقدمات طي هذه الصفحة كانت قد بدأت بسقوط النظام الذي كان على رأسه لحظة وقعت بغداد تحت الاحتلال، إلا أن إعدامه يعني انتهاء كل الأوهام في إمكان عودة النظام السابق بصورة من الصور مرة أخرى. لقد نشأ وضع جديد، معقد هو الآخر، بل لعله أكثر تعقيداً بما لا يقاس بما كان عليه الحال في الماضي، بحيث إن المسألة لم تعد اليوم منحصرة في المصير الشخصي لصدام، الذي حسم أمس، وإنما بمصير العراق نفسه، دولة وكياناً، حيث يبدو البلد اليوم على شفا حفرة من الحرب الأهلية، هذا إن لم يكن قد غرق فيها فعلاً، وتفككت مكونات المجتمع التي شكلت يوماً ما نسيجاً وطنياً، إلى وحدات مستقلة، أو كادت، على أسس مذهبية وطائفية وعرقية.

ويبقى أن صدام حسين، في صعوده وسقوطه، جسّد مأساة لا يجوز المرور عليها مرور الكرام، وإن كان من درس قاس رئيسي يمكن استخلاصه مما جرى، فهو أن حكم الفرد الواحد أو الحزب الواحد وكافة أشكال التسلط الشمولي والديكتاتوري، لا يمكن إلا أن تنتهي بكوارث على الأفراد وعلى المجتمعات. ومن أجل أن تعيش شعوبنا في مجتمعات معافاة يجدر بنا أن نعلي من قيم التسامح والتعددية السياسية والثقافية وتعايش الرأي مع الرأي الآخر والتداول السلمي للسلطة. وحتى لا يتكرر المشهد المأساوي الذي يعيشه العراق وجب أن توجه المقدرات الاقتصادية والبشرية نحو التنمية وتحسين أوضاع الناس والنهوض بمستوى الخدمات المقدمة إليهم، لا إلى المغامرات العسكرية والحروب العبثية وعسكرة المجتمع واختراقه بأجهزة الاستخبارات والقمع.

E.mail:[email protected]