الإثنين 01 يناير2007

مارك آبديغروف


حربٌ في الخارج تفتقر إلى الدعم الشعبي، وتحدّ كوري شمالي لقرارات الأمم المتحدة، وانقسام في الكونجرس حول السياسة الخارجية، ورئيس فقد الكثير من قوته في العامين الأخيرين من ولايته الثانية، ويحاول جاهداً إنقاذ ما بقي من ولاية إدارته في مواجهة تدني شعبيته. هل هذا جورج بوش عام 2006؟ لا، بل إنه هاري ترومان في 1950.

لقد كانت سنتا الرئيس ترومان الأخيرتان في البيت الأبيض صعبتين عليه وعلى الصحافة والكونجرس والأمة بصفة عامة. والواقع أنه من السهل نسيان حقيقة أنه عندما أُسدل الستار على فترة quot;ترومانquot; الرئاسية، كانت شعبيته تبلغ 31 في المئة، علماً بأن شعبية quot;ريتشارد نيكسونquot; وحده، الذي استقال وسحابة فضيحة quot;ووترغيتquot; تخيِّم فوق رأسه، هي التي كانت الأسوأ (23 في المئة). بل إن جيمي كارتر، الذي اختُطفت فترتُه الرئاسية إلى جانب 52 أميركياً في إيران، غادر البيت الأبيض وشعبيته تبلغ 34 في المئة.

ومع ذلك، فقد يمنح quot;ترومانquot; الرئيسَ بوش بعض الأمل؛ فمثلما قال quot;ترومانquot;: quot;إن الشيء الوحيد الجديد في العالم هو التاريخ الذي لا نعرفهquot;. ذلك أن رصيد quot;ترومانquot; سرعان ما بدأ يزداد؛ وأصبحت فترة ولايته محط إعجاب الأميركيين بعد بضع سنوات على مغادرته البيت الأبيض. وفي تكريم لـquot;ترومانquot; خلال تدشين quot;مكتبة ترومانquot; بعد خمس سنوات على مغادرته البيت الأبيض، أشار وزير العدل الأميركي quot;أورل وارنquot; إلى أن السنوات التي حكم فيه quot;ترومانquot; الولايات المتحدة كانت quot;فترة من أهم الفترات في تاريخ بلادنا والعالمquot;.

كما كانت شخصية quot;ترومانquot; موضع إشادة أيضاً؛ إذ أصبح رجل دولة كبيراً، الرجل الذي وافق بغير قليل من العزم على إسقاط القنبلة النووية على اليابان تلافياً للمزيد من القتلى والدمار، ووقف موقفاً حازماً في وجه السوفييت في بداية الحرب الباردة، وأسس quot;مشروع مارشالquot; لإعادة إعمار أوروبا، ودعم قيام إسرائيل بالرغم من الانتفاضات العنيفة في الشرق الأوسط.

والحقيقة أن تركته تقوَّت مع مرور الوقت، فكانت الصورة التي رسمها quot;ديفيد ماكولوquot; عن quot;ترومانquot; في سيرته الذاتية عام 1992، أي بعد 20 عاماً على وفاة ترومان، بعيدة جداً عن الرجل الذي عرفه الأميركيون قبل 40 سنة.

وإذا كان ازدياد الإعجاب بـquot;ترومانquot; مؤشراً إلى شيء، فهو أن لبوش شيئاً واحداً يصب في مصلحته، ألا وهو الأهمية التاريخية للفترة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي منحته أكبر اختبار زعامة يُمنح لجيله. وهنا يمكن القول إن الرئيس كلينتون لم يكن محظوظاً جداً لأنه حكم خلال فترة هادئة نسبياً، حيث شغل منصب الرئيس بعد سقوط quot;الستار الحديديquot; وقبل سقوط برجي مركز التجارة العالمي. وسواء وَجد التاريخُ أنه تصرف على نحو مسؤول في وجه التهديد الذي كانت تمثله quot;القاعدةquot; أم لا، فذلك لا يهم كثيراً إذا عُدت فترته الرئاسية غير مهمة. أما بوش، فلن يواجه مشكلة من هذا القبيل.

وعلى غرار quot;ترومانquot;، فإن بوش يتوفر على شيء آخر يصب في مصلحته أيضاً، ألا وهو القرارات الجريئة التي اتخذها بدون تلكؤ أو تردد. فقد كانت أفغانستان تلقب بـquot;مقبرة الإمبراطورياتquot; قبل أن يعبر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الحدود ويطرد quot;طالبانquot;؛ غير أن قراره غزو العراق واحتلاله هو الذي تتوقف عليه في الواقع تركتُه التاريخية، ولاسيما أنه فعل ذلك من دون استفزاز مباشر.

ولعل ما يميز فترة بوش الرئاسية أيضاً الصبر الذي يتحلى به؛ ذلك أنه بالرغم من الأصوات المنتقدة، فإنه اختار quot;الاستمرار في نفس النهجquot; داخل العراق، مقتنعاً بأن الزمن سيثبت وجاهة ما ذهب إليه بعد استسلام المقاومة لحكم القانون والنظام والاستقرار.

لقد أظهر بوش إصراراً قوياً يُحيَّى عليه الزعماءُ العظام ndash;إذا تبين في الأخير أنهم على صواب. وبالتالي، فإذا كان الحال كذلك، فإن التاريخ قد يحيي بوش، وقد يمنحه مكانة مرموقة إلى جانب quot;هاري ترومانquot; وتوماس جيفيرسون. أما في حال العكس، فمما لاشك فيه أن التاريخ سيدينه لأنه أساء تقدير العواقب.