الثلاثاء: 2006.02.14
أبو خلدون
ldquo;قال بطَّلوا ده واسمعوا دهrdquo;، وما يريدنا البعض أن نسمعه هو أن الحكومة المصرية في عهد الملك فاروق اخترعت شبحا لا وجود له وعينته وزيرا للمعارف وكان هذا الشبح يدير أعمال الوزارة، ويتخذ القرارات رغم أنه غير موجود، وجامعة الاسكندرية عينت هذا الشبح مديرا لها أيضا، ومجمع اللغة العربية اختاره رئيسا، وفي عام 1927 اتهم هذا الشبح الغريب بالمس بالدين والشك بالأدب الجاهلي، ومثل امام محكمة جنائية برئاسة محمد نور رئيس نيابة مصر، ولكن المحكمة اضطرت إلى تبرئته، وحفظ القضية، إذ ما المعنى من إصدار حكم على شبح غير موجود؟
والشبح الذي نتحدث عنه هو الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، الذي تسلم كل المناصب التي أشرنا إليها وظل يثري ساحتنا الأدبية بفكره الغزير حتى اليوم الأخير من حياته في 28 اكتوبر/تشرين الأول ،1973 وهي الفترة التي كانت الأمة العربية تمارس فيها كبرياءها بانتصارها في حرب رمضان، ولكن أحد الباحثين الطامعين بالشهرة كتب مقالا في مجلة ldquo;الثقافيةrdquo; بعنوان ldquo;هل كان لطه حسين وجود حقيقيrdquo;، قال فيه: ldquo;ليس هنالك في الحقيقة رجل اسمه طه حسين، وما هذه الكتب والمقالات التي نشرت باسمه إلا من إبداعات أجيال متأخرةrdquo;؟ ويستند الكاتب في زعمه إلى أمرين: الأول هو أن اللغة التي كتبت فيها مؤلفات طه حسين لا تمثل اللغة المحكية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، ldquo;لأن العرب المصريين كانوا يتخذون لهجة خاصة بهم هي أقرب إلى لهجتهم الحالية منها إلى اللغة الفصحى، ولكن تلك الكتب لا تمثل تلك اللهجة المصرية آنذاك، فهي كتبت بلغة عربية فصيحةrdquo;. ولنا أن نتساءل: هل كان عباس محمود العقاد والمازني وتوفيق الحكيم يكتبون باللهجة العامية؟ وهل كتب شوقي وابراهيم ناجي وحافظ إبراهيم قصائدهم على طريقة المواويل، وحبة فوق وحبة تحت، وعا الأصل دور؟ إن الكتابة بلغة هي أقرب إلى العامية لم نعرفها إلا في الخمسينات عندما بدأ إحسان عبدالقدوس يكتب قصصه لقراء في سن معينة هي سن المراهقة، لا يساعدهم عمرهم وقلة خبرتهم ومعلوماتهم على استيعاب الكنوز الموجودة في اللغة العربية ورأى إحسان أن الكتابة بلغة سهلة تجعل قصصه أكثر رواجا لديهم
والسبب الثاني الذي يدفع الكاتب إلى اعتبار طه حسين شخصية وهمية هو كما ldquo;يبدعrdquo; صاحبنا: ldquo;إن اخواننا المصريين، في خضم المنافسة الشديدة بينهم وبين التيارات الأخرى عمدوا إلى إبراز ما لمصر من تراث ثقافي ضخم، وما لهم من ريادة أدبية تخولهم قيادة الأمة العربية، وفي هذا السبيل اخترعوا شخصيات في كل مجال، ومن ثم أهالوا على كل شخصية من آيات التبجيل والريادة فاخترعوا حكاية عميد الأدب العربي وحكاية أمير الشعراء وحكايات أخرى يطول المقام لسردها، واختاروا لعمادة الأدب العربي شخصية من نسج خيالهم سموها طه حسين، ووضعوا لتلك الشخصية ذلك الاسم المركب من كلمتين محترمتين بين العرب جميعا، فطه لإرضاء السنة، لأنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وحسين لإرضاء الشيعةrdquo;.
وكنا نتمنى لو طال المقام أمام صاحبنا الباحث لينورنا بالحكايات الأخرى التي اخترعها المصريون. والغريب أن هذا الكلام يكتب في مجلة يفترض أنها جدية فلا يجد من يرد عليه في الدول العربية سوى كاتب واحد هو الدكتور نجم عبد الكريم الذي كتب ثلاثة مواضيع حول هذه القضية.
وينفي ldquo;الباحثrdquo; أن يكون طه حسين قد تخرج في جامعة السوربون، ويقول: ldquo;بحثت في سجلات جامعة السوربون فلم أجد له اسما فيها وإنما وجدت اسما لشخص آخر هو ldquo;تاها هسينrdquo;، ولعل هؤلاء المزورون استغلوا هذا الاسم وصحّفوه وصنعوا له شخصية أدبية ليمرروا كذبتهم الكبيرة على العالمين العربي والغربي في آنrdquo;.
وسلامة فهمك يا استاذ، ألا تعلم أن الفرنسيين يكتبون الطاء تاء، والحاء هاء.
أم أن الفرنسيين أيضا شخصية وهمية؟
التعليقات