عبد الرحمن الراشد
لأول مرة أسمع سؤالا مختلفا عن المألوف، laquo;لماذا الاعلام هنا تجاهل الخلاف مع دبي على ادارة الموانئ الاميركية؟raquo;. أكدت للصحافية الأميركية انه لا يوجد مانع رسمي، لم يقل احد لوسائل الاعلام هنا او غيرها اخفوا المشكلة. التجاهل سببه بسيط جدا، وهو أن الناس في دبي مشغولة في شؤون مختلفة عن السياسة، تنشغل بآخر المشاريع والازدحام والبورصة، اما الناس خارجها فمهمومة بالحروب والمعارك السياسية الكبيرة.
نجاح دبي في إدارة الموانئ ليس جديدا عليها حيث قامت بتشغيل العديد منها في الخليج والبحر الأحمر. وكانت صفقتها الكبيرة عندما قررت شراء شركة laquo;بي اند اوraquo; البريطانية التي تدير شبكة عملاقة من الموانئ العالمية، بما فيها ستة موانئ كبيرة في الولايات المتحدة. لهذا لم يكن غريبا يوم ثارت الاحتجاجات بدعوى ان العرب الذين هم اكبر تهديد أمني للبلاد صاروا مسؤولين عن اهم الموانئ الاميركية. فالرافضون غالبا ينتمون الى واحدة من ثلاث فئات. فئة منافسة تريد الصفقة لنفسها، وجدت التشكيك في هوية المشتري الجديد العربية اضعف نقطة عنده. والفئة المسيسة التي تتنافس حزبيا. وفئة قلقة أمنيا تسكنها المخاوف المبنية التي ترى الضمانة الأمنية داخلية، بغض النظر عن الاتفاقيات التجارية الدولية او الضمانات التشغيلية للصفقة، خاصة ان الأمن ليس مناطا بشركات الموانئ، بل تابع للأجهزة الأمنية الاميركية.
وهنا كان لبوش موقف محمود عندما رفض الضغوط التي مورست ضده، وحاولت تخويفه بالجانب الأمني او الادعاءات المتكررة بعلاقاته الجيدة مع الانظمة العربية. وهي دعوى مضحكة لأن العرب يتهمونه بالرضوخ لليمين المسيحي المتطرف وهناك من يعيبون عليه علاقته، وعلاقات افراد عائلته، القريبة من الدول العربية. وقطع كلام الرئيس قول كل خطيب لصالح دبي ليحد من التوجه العام في الكونجرس الرافض لها.
وعودة الى حديث المراسلة التي اتت الى دبي خصيصا لمتابعة شأن الصفقة، وكانت حديث الاعلام الاميركي الايام الماضية، فقد دهشت من انها خبر هامشي في معظم الصحف العربية. قلت لها اخبار السياسة والحروب دائما هي المهيمنة على الصفحات الاولى، اما اخبار الطب والفنون والاقتصاد والرياضة فمحلها في آخر الصحف. ولو ان الرئيس بوش هاجم الصفقة او صوت ضدها لانتقلت فورا الى صدر الجرائد، وأصبحت حديث الافتتاحيات وحتى كتاب الشؤون البلدية. قلت لها هنا وهناك الوضع يصبح متشابها. تصبح قضية عامة يصطدم الطرفان عندها يكيلان التهم لبعضهما من جانب سياسي فقط، ولحسن الحظ الناس هنا مشغولة بحياتها وإنجازاتها والتطلع للمستقبل بعيدا عن التحزب.
فان فازت دبي بالموانئ الستة فهي تستحقها لأنها تستحقها، وان لم تفعل فهي تكون قد اعفت نفسها من دعاوى الأمن ومتصيدي الأزمات، كما ان العالم رحب بمحيطاته وبحاره وموانئه.
التعليقات