عبد الرحمن الراشد

الحقيقة، أن العالم كله بلا بقيق النفطية أمر يصعب تخيله. كاد الهجوم على المجمع النفطي السعودي ان يصبح أعظم حدث في العالم، بما يتجاوز بآثاره كارثة الحادي عشر من سبتمبر المروعة. فالهجوم الذي خطط له الارهابيون في الشهر الماضي استهدف قلب العالم حيث تضخ بقيق أكثر من سبعة ملايين برميل بترول يوميا، وهنا تصوروا ماذا كان سيحدث حيث لا توجد بدائل لهذه الكمية الهائلة من النفط، وبفقدانها سيعيش الجميع وضعا متوترا ترتفع فيه اسعار النفط الى ارقام خرافية، وستظهر نزاعات الدول الكبرى فيما بينها على ضمان حصتها من الطاقة، وستعم الدول النامية المظاهرات بسبب نقص الوقود وغلاء ثمنه. اما السعودية صاحبة المصلحة الأولى من انتاجه وبيعه وريعه فقد جنبها الله اكبر كارثة في تاريخها، حيث كان لها ان تجد نفسها في ذيل الدول المنتجة للنفط في العالم ومن أفقرها حتى تصلح المواقع المدمرة. وكانت محاولة تدمير مستودع الاقتصاد السعودي هجوما صريحا ومباشرا على النفط، مورد الشعب السعودي شبه الوحيد.

ولأن العملية أحبطت، والحراسات الأمنية ضوعفت على المناطق النفطية، فان السعودية تستطيع ان تتنفس الصعداء وتلتفت الى محاربة الارهاب جذورا ورجالا. فالإرهاب قضية السعودية الى عشر سنوات أخرى لا مجرد ايام، ولا تكفيها يقظة الأمن. الإرهاب قضية كبيرة ذات نشاطات اجتماعية واقتصادية وثقافية. ولا مناص من التضييق على منافذ المتطرفين فكرا ومعلومات ومالا ومؤسسات وأفرادا وخلايا واسلحة.

والأحداث تتكرر لتجبرنا على ألا نستهين بقدرات الارهابيين، مثل قدرتهم على اختيار واستهداف مواقع غاية في الخطورة، يدركون انها مفاصل اقتصادية او اجتماعية او دولية. وعملياتهم ترسل دائما اشارات على قدراتهم وتوجهاتهم كما حدث قبل الحادي عشر من سبتمبر، يوم نفذوا عملية معقدة بتفجير بارجة كول على الشاطئ اليمني. وقد سخر الكثيرون حينها من الحديث عن خطر القاعدة واحتمالات ان تنفذ عمليات كبيرة، واعتبروها من المبالغات ذات النوايا الخبيئة. وعندما وقعت ضربات سبتمبر في 2001 استغرق الناس وقتا غير مصدقين ما شاهدوه.

ويمكن ان نقرأ الهجوم على بقيق في السعودية بأنه يؤكد استمرار حرب الارهاب. بقيق كادت ان تصبح الحدث الأخطر محليا وعالميا ككارثة بشرية واقتصادية وأمنية، ومع أنها أحبطت، ودمرت الخلية في الرياض بعد ايام من تتبع السيارة الثالثة الى مخبئها، إلا انها برهنت على ان الخلايا الميتة ترثها خلايا نائمة وتنشط في تجنيد غيرها. وتشير أعمار افرداها الصغار الى نشاط تجنيد وتمويل وتخطيط ومساندة نشطة.

وقد يسأل البعض كيف تستطيع الاستمرار هذه الجماعات الاستمرار رغم الضرب والملاحقة، والإجابة تكمن في الاعمال المشروعة لأنها الغطاء. وما محاولات صرف نظر المجتمع الى معارك خارجية وجانبية وحشد الرأي العام وتحريضه الا استمرار في نفس الخط القديم الذي يركب الموجات السياسية، لغسل اهدافها وأموالها ونشاطاتها.

[email protected]