عبد الرحمن الراشد


راج اسم برزان التكريتي بين عرب اوروبا منذ أواخر الثمانينات، بعد ان وصل الى جنيف سفيرا لبلاده في فرع الأمم المتحدة في اوروبا. ولم تكن هناك مهام دبلوماسية كبيرة لأي عربي في ذلك المبنى، وبات من الواضح انها وظيفة شكلية. حينها راجت أقاويل كثيرة بينها ان برزان اختلف مع اخيه الرئيس حول سياسته القمعية، وغادر منصب المخابرات التي رأسها هاربا الى العاصمة السويسرية، وانه قطع علاقته بالنظام. تبعتها نشاطات اعلامية كبيرة في باريس ولندن، وأصبح وزير إعلام العراق في الخارج لسنين. الإعلام روج عنه شخصية المثقف، الذكي، المحب لحقوق الانسان، الصامت، المعارض لصدام الثرثار الجاهل. وكانت حكايات انسانية برزان تثير الشك لسبب واحد فقط هو أن النظام العراقي بمجمله كان دمويا لا يرحم من يختلف معه. كان اكثر الانظمة العربية قمعا بلا جدال..
ولم تجد رواجا الدعاية الوردية عن برزان القائلة بأنه انفصل عن النظام، وانه الوجه الطيب للأخ القاسي. لسنين ظل برزان رجلا غامضا حتى ظهر في قفص الاتهام مع أخيه صدام حسين وبقية المتهمين في قضية اعدامات الدجيل. في القفص بانت الحقيقة غير الدعاية. ظهر صدام متهندما، واكثر تماسكا، اكثر فصاحة، اكثر استقلالية. اما رفيقه في القفص برزان فقد بدا مشردا، رث الثياب، شريرا، فوضويا، وعديم المنطق، وضعيف التعبير.
اشاعات السوق عن الشخصيات العامة تجد عادة من يصدقها، وقد تدفن الحقيقة مع صاحبها حتى يظهر من يناقضها. ولو أن شخصية هامة كبرزان قضى في سويسرا ولم يقبض عليه في بيته في الرمادي، لربما ماتت حقيقة هذا الانسان الغامض ودوره في الحياة السياسية العراقية، الذي لم يعرف عنه الا انه رأس المخابرات العراقية لأربع سنوات، ثم غادر بغداد فجأة وسط كوم من الإشاعات عن خلافات. عاد الى بغداد بعد ان ضيقت عليه واشنطن، ورفضت سويسرا طلباته باللجوء السياسي رغم امواله الضخمة في بنوكها. وبعد الحرب والسقوط السهل للنظام بدأ المطاردة. هنا ظن برزان ان اسلوبه في ترويج الاشاعات عن نفسه الذي مارسه في اوروبا، يمكن ان ينقذه من مطارديه، فأشاع عن نفسه انه قتل في هجوم على بيته في الجنوب لكن جيناته خانته، ونفى فحص الحمض النووي وجوده بين الجثث، فاستمرت المطاردة حتى باعه احد رفاقه مقابل حفنة من الدولارات. واستمر برزان يستخدم الاعلام للنجاة من الحكم شبه المؤكد بالإعدام معلنا عن مرضه، ومستعطفا كل الزعماء في العالم بمن فيهم عدوه جورج بوش، وزاعما ان موقفه كان يخالف موقف صدام.
ولا يلام برزان على محاولته انقاذ رقبته من المشنقة المدلاة، الا ان مواهبه ودعايته لم تسعفه كثيرا، فهو لم يبد ذكيا، ولا مثقفا، ولا انسانيا، ولا محترما حتى في لحظات استعطافه.