عبد الرحمن الراشد
هل خطأ الرئيس الاميركي في العراق استراتيجي أم تكتيكي؟ بعد ثلاث سنوات من الحدث التاريخي لم يهدأ الجدل ولم تتوقف المعارك العسكرية. فاذا كان بوش اليوم محاصرا في الزاوية يدافع في كل خطاب يلقيه عن مغامرته في العراق، بدعوى حماية اميركا ومصالحها، فان سلفه بيل كلينتون حتى اليوم يلام على انه لم يلاحق القاعدة يوم تجمعت ادلة وأحداث برهنت على خطورة التنظيم، وان تقاعسه ادى الى ان تضرب القاعدة نيويورك وواشنطن.
وللمراقب ان يستشعر نية الغزو منذ 15 عاما بعيد نهاية حرب تحرير الكويت. دلت عليها سياسة المواجهة من جانب صدام وإصرار واشنطن على محاصرة العراق، ومسح ثلثي أجوائه يوميا، والإصرار على تفتيشه بلا مهادنة. كانت كلها تؤكد ان النية مبيتة لإسقاط النظام وان لم تكن الكيفية صريحة بإعلان الغزو.
وفي تصوري ان الادارة الاميركية اعتبرت الهيمنة على العراق مسألة استراتيجية، ففيها استجابة للتطورات الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي الوشيك. تقهقر موسكو خلف فراغات كبيرة في مناطق نفوذها بما فيها العراق والجزائر وإثيوبيا واليمن الجنوبي، الا ان العراق يفوقها اهمية استراتيجية كونه البلد الثاني في العالم نفطيا، والمطل على الخليج حيث توجد اكبر مضخة نفط في العالم أيضا.
لكن هل كانت واشنطن في حاجة الى ممارسة الغزو مباشرة، كما فعل الاتحاد السوفييتي في افغانستان في اعقاب سقوط نظام الشاه في طهران، ام انها كانت افضل نتيجة لو مارست الادارة غير المباشرة للاحداث كما جرت عادتها في معظم مناطق نفوذها في العالم؟ أكثر من رأي يوافق على ضرورة التحرك باتجاه بغداد ويختلف حول الاسلوب تكتيكا. فالعراق حجر مهم على سطح الشطرنج في لعبة النفوذ الدولية في وجه روسيا والصين والدول الأوروبية الصاعدة، وحتى في وجه قوة اقليمية مثل ايران. الوسيلة العسكرية باتجاه بغداد آمن بها بعضهم لأنه لا سبيل آخر لإزاحة حكم مركزي يهيمن عليه رجل واحد هو صدام، ولا مناص من القوة. وخلافا لذلك هناك من كان يرى بعين أكثر حساسية ان التعجل باتجاه اسقاط صدام بالقوة، سيفتح ابواب جهنم على واشنطن في أكثر مناطق العالم اضطرابا.
وان كانت استراتيجية الحفاظ على المصالح العليا في المنطقة البترولية مفهومة، وليست بالضرورة مقبولة، فان هناك من يرى ان إدارة بوش ارتكبت تحولا خطيرا بغزوها العراق، معلنة عن تخليها عن استراتيجية واشنطن التقليدية التي تنأى عن التدخل بالقوة، وتستخدم عوضا عنها وسائل اقل مباشرة ودموية إلا دفاعيا مثل فيتنام. فالولايات المتحدة استمرت قوية في المانيا واليابان وأجزاء كبيرة من الشرق الاوسط وجنوب شرقي آسيا عبر وسائل محلية، مثل الشراكة السياسية والعسكرية او من خلال تمثيلها بالوكالة. النموذج السوفييتي الذي اوصل موسكو الى اوروبا الشرقية، وظهرت قسوته في براغ وجدار برلين وغزو افغانستان، لم يفلح قط بل قضى على امبرطوريتها بسبب أعبائه البشرية والمالية والسياسية والعسكرية.
التعليقات