فنجان قهوة
أبو خلدون


بين المرأة والمرآة حكاية عشق طويلة، ويقول ldquo;الدكاترةrdquo; زكي مبارك إن المرآة ldquo;اخت المرأة وحبيبتهاrdquo; لأنها ldquo;تقول لها ما تشتهي وتقولrdquo; أما أديب اسحق فإنه يقول ldquo;إنما المرأة مرآةrdquo;، والعكس صحيح أيضا.

والمرأة تقضي معظم وقتها أمام المرآة، أما الرجل فإنه لا يفعل ذلك إلا من أجل حلاقة ذقنه أو فحص التكشيرة على وجهه، وهل هي كافية لإقناع زوجته أنه ldquo;رجل حمشrdquo; أم لا. وكان الحطيئة يتفادى النظر إلى المرآة لأنه لم يكن على استعداد لتحمل المفاجأة التي تنتظره، فقد كان يقول: ldquo;أرى لي وجها قبح الله شكله / فقبح من وجه وقبح حاملهrdquo;. وإذا كان ابن زهر الحفيد يقول: ldquo;إني نظرت إلى المرآة إذ جليت / فانكرت مقلتاي كل ما رأتاrdquo;، فإن ابن دانيال الموصلي يقول: ldquo;وما نظرت إلى المرآة من وله / إلا وشاهدت فيها وجه نسناسrdquo; والسبب هو أن ثقافتنا المعاصرة رسخت في أذهاننا أن الجمال أنثوي، وعندما ينظر الرجل في المرآة لا يرى ملامح أنثوية في وجهه فيعتبره غير جميل، على عكس المفهوم الذي كان سائدا في الماضي حيث كان الفنانون يجسدون الجمال على صورة جسد الرجل، وكانوا في لوحاتهم يصورونه رشيقا، بينما يصورون المرأة كتلة كبيرة من الشحم واللحم تفتقر إلى التناسق والرشاقة.

والمرأة عندما تقف أمام المرآة تمارس شيئا من النرجسية، وكان الشاعر والسياسي اسماعيل صبري يقول: ldquo;لي فتاة صاغها الله لها / من جمال كلها جسم ولب/ تنظر المرآة تهوى ذاتها/ فهي في المرآة معشوق وصبrdquo; بينما كانت معشوقة منجك باشا تولول من فرط جمالها عندما تنظر إلى وجهها في المرآة، فهو يقول: ldquo;إذا نظرت إلى المرآة كادت / تشق لحسنها منها الجيوباrdquo;. والطريف أن العلماء اكتشفوا أن تكرار نظر المرأة إلى نفسها في المرآة يعزز ثقتها بنفسها ويساعدها على تعديل تصورها لشكلها ويزيل التصورات السلبية التي تحملها عن نفسها، سواء أكانت المرأة جميلة أم لا، وقد قامت الدكتورة شيري ديلنسكي، من مستشفى ماساشوستس العام، بمتابعة 45 امرأة تتراوح أعمارهن بين 17 و 13 سنة ممن لديهن اضطرابات في صورة أجسادهن، خصوصا ما يتعلق بالحجم والشكل، وقسمت الدكتورة شيري إلى مجموعتين، تلقت كل مجموعة منهما 3 جلسات من جلسات العلاج، وتضمن علاج المجموعة الأولى الوقوف أمام وحدة مكونة من ثلاث مرايا وتأمل أجسادهن بدقة وتسجيل ملاحظاتهن، وتضمن علاج المجموعة الثانية جلسات تضمنت مناقشة تصوراتهن لشكل الجسم فقط، وكانت النتيجة هي إن نساء المجموعة الأولى أظهرن تحسنا في تصورهن العام لأجسادهن، وفي ثقتهن بالنفس، وفي تخفيف درجة الشعور بالاكتئاب، مقارنة مع نساء المجموعة الثانية.

وفي تجربة طريفة أجرتها الدكتورة ماك كاب استخدمت فيها اسلوب الخداع البصري عبر تكوين صورة تراها المرأة لنفسها مركبة من تكرار أحد نصفي جسمها، واستخدمت في التجربة نساء يعانين من آلام موضعية مزمنة في أحد الأطراف، وطلبت منهن الجلوس أمام المرآة بحيث يرين النصف السليم الذي لا يحتوي على ألم في إجسامهن، فإذا كان الألم في الجزء الأيمن من الجسم فإن الصورة التي تظهر على المرآة هي للنصف الأيسر من الجسم مكررا، وطلبت من المشاركات في التجربة النظر إلى المرآة بعمق، فكانت الواحدة منهن تنظر فترى جسما سليما لا إصابات فيه، والغريب أن أعراض الألم زالت من ثماني مريضات بعد فترة بسيطة جدا. وتعلل الدكتورة ماك كاب ذلك بالقول إن الدماغ يرسل بشكل مستمر إشارات يستفسر فيها عن حالة اجزاء الجسم، كل على حدة، يجيب عليها جهاز الإحساس العصبي ليقوم الدماغ بتحليلها بعد ذلك ووضع تصورات للجسم، والنظر في المرآة يسهل هذه العملية، إذ إنه يتيح للدماغ ldquo;النظرrdquo; مباشرة إلى المشكلة. وعندما نظر الدماغ الى الصورة في المرآة لم يجد خللاً، فتوقف عن إرسال اشارات الالم التنبيهية. وربما أدركت المرأة منذ أقدم العصور فوائد المرآة العلاجية، فاتخذتها صديقة لها.

[email protected]