داود الشريان

التقرير الذي كتبه الاكاديميان الاميركيان ستيفن وولت استاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، وجون مير شايمر استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، عن laquo;اللوبي الاسرائيلي والسياسية الخارجية الاميركيةraquo; أحدث ضجة في اميركا وخارجها، وكتبت عنه كبريات الصحف الاميركية ووصف بأنه كشف سر العلاقة الاستثنائية بين الولايات المتحدة وraquo;إسرائيلraquo;، ودور اللوبي laquo;الإسرائيليraquo; في السياسات الأميركية، رغم ان معظم المعلومات التي وردت في التقرير ليست جديدة، فليس اكتشافاً القول laquo;ان علاقة الولايات المتحدة بـ laquo;إسرائيلraquo; هي حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطيةraquo;. لكن رغم ذلك يبقى التقرير مستحقاً للاهتمام، ليس لأنه جمع كل تفاصيل علاقة الغرام الاميركية - الاسرائيلية ووضعها في تسلسل تاريخي شيق فحسب، وانما لأنه سخر هذا السرد ليقول ان قيمة اسرائيل الاستراتيجية حكاية مزعومة وكذبة آن الاوان لكشف زيفها، وان الدولة العبرية باتت تشكل عبئاً على المصالح الاميركية والسياسية الخارجية لواشنطن، مطالباً بوقف المغالاة في هذا الجانب، ومعتبراً ان laquo;قوة اسرائيل العسكرية لم تستطع ان توفر الحماية للمصالح الأميركيةraquo; في المنطقة، ويسوق امثلة ابرزها المخاوف التي اوجدتها الثورة الايرانية بشأن أمن الامدادات النفطية في الخليج العربي، حيث قامت اميركا بأنشاء laquo;قوة الانتشار السريعraquo; الخاصة بها. وفي حرب الخليج الاولى في عام 1990 - 1991 اكتشف السياسيون في واشنطن ان laquo;اسرائيلraquo;، آخذة بالتحول الى عبء استراتيجي، فالولايات المتحدة لم تستطع استخدام القواعد laquo;الاسرائيليةraquo; خلال الحرب خشية المخاطرة بتمزيق التحالف ضد العراق. وكرر التاريخ نفسه في العام 2003 عند غزو العراق حين بقيت اسرائيل تتفرج وتجنى الارباح.

لم يكتف التقرير بهذا الاستنتاج المهم، بل اعتبر ان العلاقة الاستثنائية مع اسرائيل لا تساعد اميركا في حربها على ما يسمى الارهاب، ففي نظر المؤلفين ان المنظمات الاسلامية التي يصفها التقرير بـraquo;الارهابيةraquo; والتي تهدد laquo;إسرائيلraquo; (حماس أو حزب الله مثلاً) لا تهدد الولايات المتحدة، إلا عندما تتدخل ضدها (كما في لبنان عام 1982). وفوق ذلك, وبحسب التقرير، فإن laquo;الإرهابraquo; الفلسطيني ليس عنفاً عشوائياً موجهاً ضد laquo;إسرائيلraquo; أو ضد الغرب، بل هو رد على حملة laquo;إسرائيلraquo; التي تشنها منذ دهر طويل وتبتغي بها استعمار الضفة الغربية وقطاع غزة laquo;. ولعل ابرز ما في هذا التقرير انه أكد ربط الارهاب الذي يجتاح منطقة الشرق الاوسط بإسرائيل التي تدعي انه يستهدفها، واشار الى ان laquo;الصهاينة استخدموا الارهابraquo; مع بداية تأسيس دولة اسرائيل في اربعينات القرن الماضي. واورد المؤلفان تصريحاً لشامير يؤكد فيه ان الارهاب بضاعة اسرائيلية في الاساس ويقول مدافعاً عن العمليات الارهابية ضد الانكليز: laquo;لا الأخلاق اليهودية ولا التقاليد اليهودية تستبعد الإرهاب كوسيلة للقتالraquo;، بل إن الإرهاب laquo;له دور كبير يلعبه... في حربنا ضد المحتلين (البريطانيين)raquo;.

الأكيد ان فشل اميركا في العراق وفي حربها على ما يسمى الارهاب كان الدافع الابراز الى صدور مثل هذا التقرير الذي ربما مهّد لنشوء حركة بين النخب السياسية تدعو لمراجعة العلاقة بين اسرائيل واميركا. والمهم ان يجد هذا التقرير صدىً عملياً في العالم العربي، انطلاقاً من ان بناء علاقات استثنائية بين العرب واميركا اكثر جدوى للمصالح الاميركية، وان يتحول هذا التقرير الموضوعي الى مناسبة لفتح الحوار حول اهمية معاودة رسم العلاقات الاميركية مع المنطقة استناداً الى المصالح وليس الاوهام، خصوصاً ان التقرير يفند في شكل عملي كذبة ان اسرائيل مهددة من جيرانها، فضلاً عن انها باتت تشكل تهديداً للمنطقة بسبب ترسانتها النووية.