المشروع الأميركي طوي والمسألة الفلسطينية في مرحلة جديدة والعراق أزمة إقليمية دولية ...

ملامح سياسة خارجية رفسنجانية على خلاف سياسة أحمدي نجاد

وضاح شرارة
في ثنايا ما يشبه سياحة laquo;دينيةraquo; في سورية، تنزل منها زيارة المراقد والضرائح والمقامات بين دمشق واللاذقية والقرداحة والرقة مكانة عالية، يلتقي هاشمي رفسنجاني قادة المنظمات الفلسطينية والإسلامية laquo;المسلحةraquo; بدمشق، وقائد laquo;حزب اللهraquo;، الى ساسة سورية نفسها. وتلي زيارة المرشح الخاسر الى رئاسة الجمهورية الإيرانية، زيارة سابقة قام بها الى دمشق المرشح الفائز والرئيس الحالي، محمود أحمدي نجاد في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري. وكأن الرئيسين الإيرانيين، الحالي والأسبق، على موعد مع سياسة خارجية، عربية مشرقية، لبلدهما يتقاسمان التخطيط لها، وتوجيهها، ويتنازعان عليها.

وإخراج هذه السياسة، وهي سياسات، وجه بارز وراجح منها، ومن دلالاتها وغاياتها. فبدا كل ما في زيارة أحمدي نجاد السابقة الى العاصمة السورية، ظاهراً ومعلناً: من دعوة المنظمات الفلسطينية الإسلامية والمقاتلة الى المقاومة ووعدها بالمساندة والدعم الماديين والمعنويين، الى إحاطة الرئيس السوري المضطرب بالمنظمتين الشيعيتين اللبنانيتين والحليفتين. وعلى خلاف أحمدي نجاد، حرص رفسنجاني، منذ الأربعاء في 12 نيسان (ابريل) الجاري، على لقاء من رغب في لقائهم في السفارة الإيرانية بدمشق، laquo;منفرداًraquo;، على قول الوكالات. والفرق بين نبرتي الرجلين واضح وجلي. فرفسنجاني لا يتستر على أن laquo;المقاومة الفلسطينية تمر بمرحلة جديدة تستدعي دعم الدول الإسلامية كلهاraquo;.

وهذا بعيد من بيان انتصار. وهو أقرب الى تشخيص أزمة. وكانت طهران الرسمية زعمت، حين زيارة وفد laquo;حماسraquo;، انها تتولى وحدها تعويض حكومة الحركة الإسلامية الفلسطينية المنتصرة في الانتخابات النيابية العامة الخسائر الناجمة عن قطع المساعدات الأجنبية، أي الأوروبية والأميركية، عن laquo;الدولةraquo; الحماسية. واليوم، يرضخ رفسنجاني للإقرار بـ laquo;مرحلة جديدةraquo;. ويوضح حسن نصرالله، بعد لقائه رئيس مجلس التشخيص الحذر والمتكتم، أن هذه المرحلة، مرحلة laquo;قطع المساعدات المالية عن الشعب الفلسطينيraquo;، لا تترك مسألة laquo;(استمرار) المقاومة في فلسطينraquo; بمنأى منها، بل هي تتناولها من قريب. وتأكيد أمين عام laquo;حزب اللهraquo; في لبنان أن laquo;المقاومة ستستمرraquo;، وهذا أقل ما يتوقع من الرجل والدور إعلانه في هذا المقام، لا يطعن في الاستدلال ان قادة المنظمات الإسلامية المسلحة، والوثيقة laquo;العلاقةraquo; بطهران ودمشق، والمتخللة الدولة العبرية، تناولوا المسألة وناقشوها وأقروا بإلحاحها.

والكلام الصادر عن رفسنجاني، وسط عبارات الابتهاج بـ laquo;الانجازraquo; النووي الإيراني (والانجاز يدرجها الدولة النووية الثامنة، بعد باكستان وكوريا الشمالية، وهما دولتان بلغتا laquo;قمم العلم والتكنولوجياraquo; وسبقت إليها laquo;الشعب الإيراني العظيمraquo;، على قول أحمدي نجاد في سياسته، يختلف عن أقوال مضيفيه، محمد ناجي العطري ووليد المعلم وفاروق الشرع وبشار الأسد. فهو يقلل من شأن مداهمة laquo;المشروع الأميركيraquo; ووطأته على الشرق الأوسط، وإيران فيه. ويدعو الى تناول الأمور في ضوء laquo;فشل المشروعraquo;، على قوله، وطي صفحته. وذلك على خلاف بقاء العطري، رئيس الوزراء السوري، في laquo;مواجهة التحديات المشتركةraquo;، واستنتاج وزير خارجيته laquo;أن ما يجري من تطورات على الساحتين الاقليمية والدولية يؤكد صحة النهج والموقف السوريraquo; (وحده، وفي دوامة مشكلاته).

والى المرحلة الفلسطينية الجديدة، تناول رفسنجاني ما لعله بيت القصيد في زيارته وسياحته، وفي دوره هو المحتمل في السياسة الإيرانية بالعراق، وهو laquo;الأزمة العراقيةraquo; (والعبارة أو الاسم منه هو). فهو حض على laquo;تعاون ثلاثي بين سورية وإيران والعراق لوضع حد للأزمة العراقيةraquo;. وهذا ما لم يتطرق اليه مضيفوه السوريون، المدعوون الى تأدية دور أو وظيفة في إنهاء laquo;الأزمةraquo; في إطار توجه إيراني لا يزال رسمه متردداً ومضطرباً، ولا تطرق اليه زعماء المنظمات المسلحة الإسلامية، وبعضهم يأتمر بأمر طهران (وليس رفسنجاني نفسه في عداد أولياء الأمر)، ويصدر عنها. وانفراد الرئيس الإيراني الأسبق في التطرق الى المسألة قرينة ربما على موضوع laquo;مهمتهraquo; في دمشق، ولقائه laquo;أوراقraquo; إيران فيها.

وقرينة أخرى هي ما سبق الزيارة في المعرض أو السياق العراقي نفسه. فهو كرر، يوم وصوله دمشق، في تصريح الى laquo;الحرةraquo;، الفضائية الأميركية، ما قاله القائم بالأعمال الإيراني ببغداد غداة الإعلان عن وشك المحادثات الإيرانية ndash; الأميركية في العراق، من أن الأمن في بلاد الرافدين، وبلاد الجوار، مصلحة مشتركة لإيران والولايات المتحدة معاً. وهذه laquo;لغةraquo; تخالف laquo;لغةraquo; النظام وطاقمه النجادي والحرسي (من أمثال مصطفى محمد نجار، وزير دفاع الرئيس الجديد، ورحيم صفوي، قائد الحرس، وحسن فيروز أبادي، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، ومحمد ابراهيم دهقاني، الأميرال البحري). فصفوي يقول: laquo;اننا نعتبر وجود أميركا في العراق وأفغانستان والخليج الفارسي تهديداً، ونوصي بألا يتحركوا لتهديد إيران(...) وعلى الولايات المتحدة ان تعوض أخطاءها في العراق بالخروج منه، وتسليم مصير الشعب العراقي الى الحكومة المنتخبةraquo; (في 6 نيسان).

ولم يكد يُعلن عن رئاسة علي حسيني تاش، عضو المجلس الأعلى للأمن القومي، وفد إيران الى المحادثات الإيرانية ndash; الأميركية المزمعة (في ختام الأسبوع الأول من الشهر الجاري)، وشاع تكهن بأن اختيار تاش ndash; وهو رئس في شباط (فبراير) المفاوضات مع موسكو على المقترح الروسي القاضي بنقل مصنع التخصيب الأولي الى الأراضي الروسية وإشراف سلطاتها التقنية والسياسية ndash; علامة على اضطلاع رفسنجاني، وتاش من أنصاره وlaquo;مهندسيهraquo;، بدور راجح في المفاوضة الآتية، لم يكد يعلن ذلك حتى تصدى محسن رضائي، قائد الحرس الثوري السابق ونائب رفسنجاني في رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام (والرقيب عليه)، للتكهن والتخمين، والرد عليهما. فقال، في اليوم التالي وبعد اجتماع المجلس ومناقشته المسألة، ان المفاوضات المقترحة ينبغي أن تحصل laquo;في إشراف أحمدي نجاد، وفي إطار السياسات العامة للدولةraquo;.

وraquo;التوضيحraquo;، مهما قلص المراقب من laquo;علمraquo; الاستدلال على البواطن والخوافي القيادية الإيرانية (على مثال laquo;الكرملينولوجياraquo;، أو علم الكرملين، مقر القيادة الشيوعية الباطنية في زمن سطوتها وبداية انحلالها)، يبدو نافلاً. فلماذا ليس من بدائه الأمور المعروفة والمعلومة أن يتولى رئيس الدولة الإيرانية وإداراتها، والديبلوماسية دائرة من دوائر الإدارة، توجيه عمل ديبلوماسي يتصل بالأمن القومي اتصالاً وثيقاً على نحو اتصال laquo;الأزمةraquo; العراقية بالأمن الإيراني؟ والحق أن هذا ليس من بدائه الأمور لأن المفاوضة المتوقعة موضوع خلاف، قد يكون حاداً، بين أجنحة الطاقم الإيراني الحاكم وتياراته. فجناح laquo;الثورة الإسلامية الثانيةraquo;، على ما يسمي أحمدي نجاد فوزه بالرئاسة (بنصف عدد الأصوات الذي فاز به خاتمي في ولايتيه)، لا يرى أن العلاقات بالولايات المتحدة في العراق ينبغي أن تعالج laquo;أزمةraquo; مشتركة، نواتها عراقية من غير شك ولكنها تطاول سورية وإيران والعراق جميعاً، الى الولايات المتحدة نفسه.

وعلى خلاف الجناح الحرسي، يرى رفسنجاني أن سورية ليست بعيدة من laquo;الأزمةraquo; العراقية وينبغي، تالياً، توريطها في laquo;الحلraquo;، أو في laquo;وضع الحدraquo;، على رغم ضعف دورها وسعي السياسة الأميركية في إضعافه. والإشراك في الحل، على أي قدر أو مرتبة، قد يكون باباً على بعث بعض الحياة في علاقة واشنطن بدمشق. وليست حاجة طهران، بحسب رفسنجاني، الى هذه العلاقة أقل من حاجة دمشق إليها. ولا يخلو الأمر من بعض الغرابة، وربما السخرية.

فإذا جمعت وجوه تناول هذه المسائل بعضها الى بعض، من laquo;المرحلة الجديدةraquo; الفلسطينية الى معالجة laquo;الأزمة العراقيةraquo; معالجة إقليمية ودولية مشتركة (على قول إبراهيم الجعفري الذي يضم laquo;دول العالم الكبرىraquo; الى laquo;دول الجوار الجغرافيةraquo; كلها، كتلة واحدة يدعوها الى التعاون، من غير إغفال اعتدال الكلام على لبنان واللبنانيين، ارتسمت وجهة سياسية إيرانية أقل انتشاء من الغلو الحرسي. وتحاول هذه السياسة كبح الجماح الحرسي. فالجماح هذا ينزل المسائل كلها منزلة واحدة و laquo;نوويةraquo;، إذا جازت العبارة. ويحسب ان حماية laquo;دخول النادي النوويraquo; المفترض تضطلع بها الجبهات الاقليمية، الفلسطينية واللبنانية والعراقية والأفغانية، على تباينها، فيما هذه الجبهات، وهي laquo;أزماتraquo;، تحتاج الى حماية. وفيما laquo;دخول النادي النوويraquo; تتغذى مخاطره وتبعاته الداهمة من وصله بالجبهات الإقليمية، ودمجه فيها، على قدر ما تتغذى منه هو، ومن مزاعمه، وتلقائه.

كاتب لبناني