ممرات آمنة للهروب تخترق المدن طولاً وعرضاً

الخليج الإماراتية : رغم أن سلسلة جبال سيناء الخلابة هي الأروع في المناظر الطبيعية في شبه الجزيرة التي تتمدد على مساحة حوالي 30 ألف كيلومتر مربع بين خليجي السويس والعقبة وتمثل نسبة 3% من مساحة مصر إلا أنها تحولت مع حوادث التفجيرات الأخيرة إلى متهم رئيسي بوصفها أحد الملاجئ الرئيسية للإرهابيين.
وتعد جبال سيناء هي الأكثر ارتفاعا في مصر إذ يصل طول بعضها إلى ارتفاع 2650 مترا فوق سطح البحر الأحمر، وهو ما يجعلها قبلة لعشاق رحلات السفاري، لكنها مع تكرار العمليات الإرهابية مؤخرا أصبحت المتهم الثاني في تلك التفجيرات، مع تأكيدات أجهزة الأمن أن شعابها ودروبها الوعرة والمدببة أصبحت ممرات آمنة للإرهابيين.


تحاصر الجبال سيناء ومدنها السياحية وتحشرها في المسافة بينها وبين البحر بفرعيه وتخترقها طولا وعرضا وهي كثيرة مثل ldquo;جبل موسىrdquo; وrdquo;سانت كاترينrdquo; وrdquo;أم شومرrdquo; وrdquo;سرابيط الرخامrdquo; وrdquo;حمام فرعونrdquo; وrdquo;الطورrdquo; وrdquo;الحلالrdquo;، وتقول مصادر الأمن إن هذه الجبال تمتلئ بالأسلحة والذخيرة سواء المهربة أو تلك الموجودة وتعتبر من مخلفات الحروب السابقة مع ldquo;إسرائيلrdquo;.
يعد جبل ldquo;الحلالrdquo; أشهر جبال سيناء في الآونة الأخيرة لتردد اسمه بكثرة في الصحف وباقي وسائل الإعلام في أعقاب عملية تفجيرات منتجعات طابا في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام قبل الماضي، وقد شهدت طرقه الوعرة أحداثا مثيرة ومطاردات وملاحقات عندما تأكد لأجهزة الأمن المصري أن بعض مخططي ومنفذي تفجيرات طابا لجأوا إليه للاختفاء بين كهوفه المظلمة المفغورة الأفواه والاحتماء بدروبه الوعرة من الملاحقات متأكدين من صعوبة وصول رجال الأمن إليهم خلالها.
وتقول أجهزة الأمن في مصر إن المتهم الأول في تفجيرات طابا وهو من بدو العريش ويدعى ldquo;سالم الشرنوبrdquo; قام بالتخطيط للحادث وهرب إلى هذا الجبل فور إتمام العملية مستغلا معرفته بمسالكه المتعرجة ومنافذه المتعددة، غير أن أجهزة الأمن لم تيأس وقامت بمحاصرة الجبل من عدة جهات، لكن ليس كله ولم تستطع أن تجري عملية تمشيط كاملة للجبل المزروعة مسالكه المتشعبة بالألغام المتخلفة عن أربع حروب دارت رحاها على أرض سيناء منذ العام 1948 وحتى العام ،1973 تلك الألغام هي ذاتها التي راح ضحيتها العديد من رجال الشرطة والأهالي وهم من الأدلاء الذين يقتفون الأثر أثناء محاولات
تتبع آثار الإرهابيين على الأرض للوصول إلى أوكارهم.
تضاريس وعرة
حاولت الشرطة استخدام كاسحات الألغام لتمهيد الطرق قبل تقدم رجالها، لكن نظرا لضيق تلك الطرق عند نقاط معينة وصعودها وهبوطها في انحدارات لا نهائية كانت المهمة مستحيلة، نظرا للبطء الشديد في عملية التقدم عبر المدقات ومن دون سيارات مصفحة في تضاريس شديدة الوعورة.
وقد زاد من استحالتها الاتهامات الموجهة لبعض أهالي العريش من البدو ساكني الجبل بالتعاطف مع الإرهابيين بعدم الكشف عنهم لأسباب قبلية أو نظير أموال حصلوا عليها، بل معاونتهم في البقاء على قيد الحياة بتوصيل الماء والطعام إليهم عبر منافذ بعيدة عن سيطرة أجهزة الأمن الضاربة حصارها حول كهوفهم ومخابئهم، وقد كان الأمر لا يخلو من تبادل للأدوار بين الإرهابيين ورجال الأمن، يخرجون ويجرون عمليات استكشاف للكمائن التي أعدتها الأجهزة الأمنية، بهدف فتح ثغرات في الحصار المضروب حولهم للهرب منها.
ولترويع عناصر الأمن وإرهابهم كان الإرهابيون يلجأون إلى إطلاق الأعيرة النارية من أماكن مختلفة بواسطة أسلحة حديثة متطورة مهربة لتشتيت الانتباه والتمويه على أماكن مخابئهم بين الصخور الهائلة.
ويتكون جبل الحلال من سلسلة صخرية طويلة يستخدمه تجار المخدرات من البدو في زراعة وديانه بجميع أنواع المخدرات، وتخزينها قبل تهريبها وتوزيعها، والمفارقة أن الجبل ذاته الذي يؤوي حاليا الإرهابيين والمهربين والخارجين عن القانون شهد بطولات عديدة من جانب البدو أنفسهم إبان فترة مكافحة الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo; لسيناء في العام 1967 وما بعده، أي حرب الاستنزاف، فقد كان ساكنوه الجبليون أحد مفاتيح النصر في حرب التحرير في شهر أكتوبر/تشرين الاول من العام 1973.
وينفي بدو سيناء تهمة التواطؤ مع الإرهابيين فوق الجبال سواء بسبب التعاطف القبلي أو إغراء المال، ومن بينهم سليمان حسين (24) سنة وهو شاب لديه مشروع سياحي صغير (كافيتريا في دهب) وسيارة نصف نقل تساعده على التنقل والصعود إلى محطات معينة فوق الجبل ولا يوافق
على نظرية التواطؤ بين الجبل ومن عليه وبين الإرهابيين.
ويرى سليمان أن مسألة ذكر الجبل ما هي إلا شماعة لتعليق الأخطاء والتنصل من تحمل المسؤولية ويجزم بأن الإرهابيين وهم في طريقهم لتنفيذ عملياتهم الإرهابية أو عند عودتهم منها لا يستخدمون الجبل. ويقول: السيارات التي تدخل وتخرج من المدن السياحية في سيناء وتحل أرقام منافذ
الجمارك على الحدود لا يتم تفتيشها جيدا عند الكمائن المتعددة على الطرق والمفارق، بينما يتم التشدد مع الأهالي فقط (أي البدو) وليس الغرباء ويزيد بالقول:
البدو هم الذين يحمون البلد، والسياح يصعدون إلى الجبال في رحلات سفاري وتناول العشاء، وهناك زيارات متعددة من كبار الشخصيات العالمية مثل توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وعائلته الذين يقضون عطلتهم السنوية في شرم الشيخ
كل عام ويصعدون إلى الجبل ويهبطون في أمان
تام.
ويقول حميد أبو غصين عضو مجلس الشعب عن محافظة جنوب سيناء: أنت لا تستطيع أن تتحدث عن مجموعة من الجبال بل سلسلة جبلية متصلة بين طابا والعريش وrdquo;إسرائيلrdquo; والبدو في المجمل الأعم لا يسمحون للغرباء بصعود الجبل هكذا بحرية إلا إذا كان معهم واحد من البدو ويتم إبلاغ الشرطة في كثير من الأحيان في حالات الاشتباه.
ثغرات أمنية
المشكلة حسب خبراء الأمن تكمن في أن الجبال معظمها ثغرات أمنية باعتبارها مساحات شاسعة لا يوجد بها أي وجود أمني، أضف إلى ذلك أن عنصر الثقة بين الأمن والبدو الموجودين على الجبل مفقود، حتى شيخ القبيلة لا تصل إليه تفاصيل كل ما يجري على منطقته من الجبل في أحيان كثيرة والمطلوب هو ترابط أكثر بين الدولة وبين هؤلاء الجبليين مع تغيير في مفاهيم الأمن.
ويتساءل العديد من سكان سيناء في دهشة كيف يصعد الإرهابيون بسيارات ملاكي إلى الجبال أو يهبطون لنقل المواد الناسفة والقنابل والمفرقعات والجبال كلها طرق وعرة وتضاريس قاسية معروفة. هل هذا منطقي؟
إن الرجل الجبلي مجرد دليل أو مرشد لأنه خبير في طرق ومسالك الجبل فقط، وهذا ما يجيده وليس الإرهاب.