الإثنين: 2006.05.22
بقلم: جورج مونبويت
ترجمة: مروة وضاء
تواجه الحضارة عدوا جديدا وهو مزارع مخدرات سابق يدعى ايفو موراليس رئيس بوليفيا الحالي. فقد وقف امام البرلمان الاوربي ليشرح سبب ارساله قوات لاستعادة السيطرة على حقول غاز ونفط بلاده موضحا ان quot;الشركات الاجنبية تنهب مصادر بلادهquot; وهو يستردها من اجل مصلحة شعبه. وفي الاسبوع الماضي وخلال قمة اللغة اللاتينية في فيينا، أخبر الزعماء الامريكيين والاوربيين بانه لن يعوض الشركات التي كانت تستخرج وقود بلاده عن ذلك الفعل.
يمكنك ان تتوقع كم كان ذلك محبطا. حيث حثه توني بلير على استعمال قوته بمسؤولية. واتهمته كونداليزا رايس بالquot;ديماغوجيةquot;.
اعلنت صحيفة الايكونومست ان بوليفيا quot;تتراجع للوراءquot; ودعت التايمز موراليس في نص متعالي بشكل لايصدق بال(وقح) و(الجبان) و(النزوي) وصنفت سيطرته على حقول الغاز بالquot;بادرة الطفولية quot; غير مبالين ان خصخصة غاز ونفط بوليفيا في التسعينات كانت غير شرعية، حيث تم العمل بها من دون اخذ موافقة الكونغرس.وغير مبالين انه - إلى حد الان- لم تسهم ثروات البلاد الطبيعية الا بافقار شعبه. وغير مبالين ان مواراليس كان قد وعد شعبه باستعادة السيطرة على مصادر بلاده الطبيعية، وهي السياسة التي يدعمها البوليفيون بشكل هائل.ولن يطول الامر اكثر حتى نرى دونالد رامسفيلد يدعوه بهتلر الجديد، ونسمع بوش يتحدث في خطاباته عن تعرض الحرية والديمقراطية للتهديد من الحرية والديمقراطية!!.
وتصور كل تلك الضجة على انها قلق على الشعب البوليفي. حيث صرحت صحيفة الفاينانشيال تايمز عن قلقها من quot;سوء الادارة والفسادquot; المحتمل. وحذرت الايكونومست منquot;انه بينما ستزداد الحكومة ثراءا سيزداد الشعب فقراquot; ورثت التايمز ان موراليس quot;اخر من تطوير بوليفيا بحوالي 10سنوات ---وستجد المجموعات الاكثر عرضة للخطر خط الحياة الاقتصادي بعيدا عن متناولها قريبا quot;.
كل ذلك هراء. فقبل اربعة ايام من قيام موراليس بالسيطرة على حقول النفط في الاول من ايار، حدث انتزاع اكبر للملكية في بلاد اكثر فقرا وهي جمهورية التشاد الافريقية. عندما قامت حكومة التشاد باعادة السيطرة على ايراداتها النفطية، لم تؤكد استحالة وصول الفقراء إلى خط الحياة المقرر لهم فحسب، وانما دفعت ادعاءات البنك الدولي في استخدام النفط كممول لبرنامج الاصلاح الاجتماعي للانهيار.
كيف كانت ردة فعل كل منتقدين موراليس الوقحين؟
لم تكن لديهم اي ردة فعل. فقد صب الحشد المنافق باكمله اهتمامه في الاتجاه الاخر.
كان البنك الدولي قد قرر تمويل مخطط نفط هائل في تشاد في عام 2000 بعد الحصول على وعد من حكومة ادريس ديبي ndash; والتي لها سجل فضيع في حقوق الانسان ndash; على ان تستعمل الفوائد لمصلحة الشعب. وضعت ادارة ديبي قانونا يخصص 85% من ايرادات البلد النفطية لتطوير التعليم والصحة و10% quot;لرعاية الاجيال القادمةquot;. وذكر المصرف ان ذلك quot;نظام وقاية لم يسبق له مثيل لضمان استعمال تلك العائدات لتمويل التطوير في تشادquot;.
لم يكن للمشروع ان يمضي قدما من غير البنك الدولي، الذي طلبت منه شركة ايكسون، الشريك الاساسي في المشروع، الاشتراك لتأمين الضمان ضد الخطر السياسي. ووفرت سبل دفع المصرف المختلفة مبلغ 333 مليون دولار، وساهم مصرف الاستثمار الاوربي ب120مليون دولار اخرى. بدأت شركات النفط (ايكسون وبيتروناس وشيفرون) بحفر 300 بئر في جنوب البلاد، وبناء خط انابيب إلى ميناء الكاميرون والذي افتتح في عام 2003. توقع مختصو البيئة ان خط الانابيب هذا سيتلف الغابات الاستوائية في الكاميرون ويهجر سكان المنطقة الاصليين الذين يعيشون هناك، كما وتستهلك شركات النفط معظم ماء تشاد النادر، وان تدفق عمال النفط يصاحبه تدفق مرض الايدز.
كما جادلوا ايضا ان دعم شركات النفط بأسم الرفاهية الاجتماعية هو اعادة تفسير جذرية لانتداب البنك.فمنذ عام 1997 حذر صندوق الدفاع البيئي بان حكومة التشاد لن تلتزم بوعودها باستخدام الاموال لخفض مستوى الفقر. وفي عام1999 قام باحثون من كلية هارفارد بتفحص القوانين التي سنتها الحكومة ذاكرين ان quot; ليس لدى السلطات نية بممارسة تلك القوانين فعلاquot;.
وفي عام2000 اعطت شركات النفط حكومة التشاد علاوة وقدرها 4.5 مليون دولار والتي صرفت فورا على شراء الاسلحة. وفي بدايةعام 2006 قامت الحكومة ببساطة بخرق كل القوانين التي اصدرتها في عام 1998. فلقد اعادت تعريف ميزانية التطوير لتشمل الامن واستولت على التمويلات المخصصة لاجيال المستقبل وحولت 30% من الايرادات الاجمالية إلى quot;الانفاق العامquot; والذي يعتبر في تشاد تعبيرا اخر عن التسلح.
احرج المصرف الدولي بتحقق كل توقعات منتقديه. فجمد كل العائدات التي اودعتها الحكومة في لندن وعلق باقي قروضها. كان رد حكومة التشاد ببساطة انها ستغلق ابار النفط. فأسرعت المؤسسات إلى الأب الأكبر (الحكومة الامريكية) وفي السابع والعشرين من نيسان تراجع المصرف عن موقفه،عقدت اتفاقية جديدة مع تشاد تؤهل حكومة التشاد للاحتفاظ بكل شيء اخذته اصلا.
كانت محاولات البنك الدولي لحفظ ماء وجهه مضحكة. فلقد صرح العام الماضي بان الخطة كانت quot;جهود رائدة ومتعاونة....تظهر ان مشاريع النفط الواسعة النطاق يمكن ان تحسن فرص التطوير الطويل المدى بشكل ملحوظ. وبتعبير اخر لقد كان نموذجا يمكن لبلدان النفط الاخرى اتباعه. واليوم يخبرنا ان المشروع في تشاد كان نموذجا فريدا وضع ليوفر حلا لتحديا فريدا quot; لكن مهما كانت ذرائعه لايستطيع ان ينكر حقيقة ان اعادة فرض الحكومة لسيطرتها هو كارثة للمصرف وللشعب الفقير الذي تدعي مساعدته.
منذ ان بدأ المشروع انحدرت التشاد من 167 إلى 173 في قائمة الامم المتحدة للتطوير وتهاوى مستوى متوسط الاعمار من 44،7 إلى 43،6 سنة. فاذا فعل موراليس العكس واستعمل العائدات النفطية من حقول بلاده بالطريقة نفسها التي استخدمها هيوغو شافيز في فنزويلا فالنتيجة يمكن ان تكون تحسنا ملحوظا في رفاهية شعبه.
فلديك من جهة رجل حافظ على وعده باستعادة السيطرة على اموال الصناعة الهيدروكربونية لكي يستعملها لمساعدة فقراء بلاده، ومن جهة اخرى رجل نكث وعوده باستعادة سيطرته على اموال الصناعة الهيدروكربونية لشراء الاسلحة. فالرجل الاول يذم ويوصف باللامسؤولية والصبيانية واللامبالاة اما الرجل الثاني فيترك للاستمرار باعماله. لماذا؟
حسنا. ان افعال ديبي لم تؤثر على شركات النفط، لكن افعال موراليس قد اثرت. فعندما يقول بلير ورايز والتايمز وكل اولئك المدافعين عن القوى غير الديمقراطية: quot;الشعبquot;، فهم يعنون المؤسسات. وسبب كرههم لموراليس انه عندما يقول quot;الشعب quot; فهو يعني الشعب.
التعليقات