السبت: 2006.05.27

نيكولاس بلاندفورد
مراسل quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; في لبنان

في جنوب لبنان حيث ترسل الشمس الدافئة لفصل الربيع أشعتها على امتداد الحدود الإسرائيلية- اللبنانية، وحيث تنتشر أشجار الزيتون وحقول التبغ الخضراء ويسود نوع من الهدوء والسكينة مألوفين فقط في المناطق الريفية، تلقي نذر المواجهة المحتملة بين الغرب وإيران بظلالها الكثيفة هنا على المنطقة الحدودية، لاسيما في ظل قيام quot;حزب اللهquot; الذي تدعمه إيران بتحصين مواقعه الحدودية وإقامة مراكز للمراقبة، بينما تصعِّد إسرائيل من جهتها دوريات المراقبة الجوية فوق الأراضي اللبنانية. ولعل السيناريو الذي يستأثر باهتمام الجميع هو احتمال اندلاع مواجهات عنيفة بين quot;حزب اللهquot; والجيش الإسرائيلي في حال تعرض المنشآت النووية الإيرانية لضربة من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل. وقد جاءت التحذيرات الأخيرة التي أطلقها quot;حزب اللهquot; خلال الأسبوع الجاري بشأن قدراته الصاروخية لترسخ لدى إسرائيل قلقها القديم من أنها ستكون أول المستهدفين كجزء من رد طهران على قصف منشآتها النووية.
ونستحضر في هذا السياق تصريحات الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصر الله التي أطلقها في خطاب ألقاه بمناسبة الاحتفال بمرور ست سنوات على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان حيث قال: quot;لدينا القدرة على تدمير أهداف مهمة وحيوية في شمال فلسطين المحتلةquot; وتابع ملمحاً إلى امتلاك quot;حزب اللهquot; لصواريخ بعيدة المدى quot;تتوفر المقاومة اليوم على أكثر من 13 ألف صاروخ، بحيث تقع المنطقة الواقعة في شمال فلسطين المحتلة تحت مدى صواريخنا. وهذا فقط فيما يتعلق بالحد الأدنى، أما الصواريخ بعيدة المدى فالأفضل ألا أتكلم عنهاquot;. ومن جانبه صرح الجنرال عاموس جلعاد، المسؤول العسكري البارز في وزارة الدفاع الإسرائيلية، مطلع الشهر الجاري بأنه في الوقت الذي تعتبر صواريخ شهاب-3 بعيدة المدى السلاح الاستراتيجي الأهم لدى إيران، quot;فإن حزب الله هو السلاح الثاني بدون منازع بترسانته الكبيرة من الصواريخ، والتي تتراوح تقديرات عددها بين 13 و14 ألف صاروخquot;. ومع ذلك يشير المحللون السياسيون إلى وجود أسباب مهمة تحول دون قيام quot;حزب اللهquot; بتحرك عسكري ضد إسرائيل. فرغم توجه quot;حزب اللهquot; إلى إيران طلباً للنصيحة والدعم اللوجستي والمالي، إلا أن الحزب الشيعي أمضى العقد ونصف العقد الأخير يحاول التخلص من الصورة التي لاحقته طويلاً باعتباره أداة ضمن السياسة الخارجية الإيرانية.
ولا ننسى أيضاً ونحن نتحدث عن quot;حزب اللهquot; أنه يحظى بتأييد كبير، خصوصاً لدى شيعة لبنان الذين يعدون الطائفة الأكبر في البلاد، فضلاً عن توفره على 14 نائباً في البرلمان ومشاركته في الحكومة لأول مرة. ولاشك أن انخراط الحزب في الحياة السياسية ساعد على تعزيز مكانته في وقت يخضع فيه لضغوط شديدة تحثه على حل جناحه العسكري. ورغم تبني مجلس الأمن لقرار اقترحته فرنسا يجدد الدعوة للحزب بضرورة نزع سلاحه، إلا أن الحزب رفض إلى حد الآن تلك الدعوات، مؤكداً أن سلاحه جزء حيوي ضمن استراتيجية الدفاع اللبنانية، وبأن إلقاء السلاح لن يخدم سوى المصلحة الإسرائيلية، وهو التبرير الذي يلقى صدى إيجابياً لدى معظم شيعة لبنان إن لم يكن لدى باقي اللبنانيين. بيد أن المفارقة حسب quot;راينود لينديرزquot;، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمستردام والمحلل السياسي السابق في بيروت، تكمن في أنه quot;لولا الحملة الأميركية الفرنسية التي تطالب بنزع سلاح حزب الله لكان الحزب سيواجه صعوبة أكبر في الدفاع عن نظرية مواصلة المقاومةquot;. فالعديد من اللبنانيين غير الشيعة ليسوا مرتاحين لحيازة حزب سياسي للسلاح خشية الزج ببلدهم في أتون الصراعات الأجنبية.
أما المسؤولون في quot;حزب اللهquot; فيرون غير ذلك إذ يعتبرون أن سلاحهم موجه بالأساس للدفاع عن لبنان، وليس إيران. وفي هذا الصدد يؤكد أحمد مالي، عضو المجلس السياسي لـquot;حزب اللهquot; قائلاً quot;إن إيران قادرة لوحدها على الرد على أي اعتداءquot; مستطرداً quot;إنه من غير المنطقي أن تطلب إيران وهي القوة الإقليمية من منظمة صغيرة مهاجمة إسرائيلquot;. ويرى العديد من المراقبين أن الإكراهات الداخلية التي يواجهها quot;حزب اللهquot; ترجح عدم إقدامه على مهاجمة إسرائيل كرد فعل متسرع على قصف إيران التي تعد راعي الحزب الأول. ويؤكد هذا الطرح أمل سعد غريب، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بلبنان، بقوله quot;إن أي تحرك عسكري يقوم به حزب الله وتعتبر القوى الداخلية والدولية أنه يخدم مصلحة إيران سيلقي بظلال من الشك والريبة على المواصفات الوطنية للحزب وسيرسخ الفرضية القائلة إن الحزب وكيل لإيران في لبنانquot;. وأكثر من ذلك طرح أحمد مالي تصوراً آخر يرجح شن إسرائيل لضربة استباقية ضد quot;حزب اللهquot; للتقليل من بدائل طهران في الرد على إسرائيل إذا ما تعرضت منشآتها للقصف. ويقول في هذا الصدد quot;إذا ما هاجمت إسرائيل مواقع إيرانية فقد تهاجم أهدافاً أخرى بما في ذلك حزب الله في لبنان. وفي تلك الحالة من حق الحزب أن يدافع عن نفسه وعن لبنان بأكملهquot;. وبعيداً عن التصور النظري لأحمد مالي، يؤكد جيرالد شتينبورج، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان في إسرائيل، أن الدولة العبرية تدرس مسألة توجيه ضربة استباقية لإيران بجدية كبيرة، حيث يقول quot;ما دام حزب الله يُنظر إليه كجزء من الرد الإيراني ضد إسرائيل، فمن غير المستبعد أن يضرب الجيش الإسرائيلي الحزب في سياق التحرك العسكري ضد إيران، لاسيما وأن العديد من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين يعتقدون أن عدم ضرب الحزب سيعد حماقة كبيرة في ظل حتمية مهاجمة حزب الله لإسرائيل إذا ما قصفت المنشآت النووية الإيرانيةquot;.