الأربعاء: 2006.06.21

جورج الراسي

في غمرة متابعة العرب لمآسي العراق وفلسطين ـ بعد مُتابعة مآثر كأس العالم لكرة القدم بالطبع ـ جرت تجربة ديموقراطية فريدة في نوعها في أقاصي الأرض العربية، جمهورية جزر القمر الإسلامية، الواقعة في قناة الموزامبيق، على أطراف المحيط الهندي.
ففي 14 أيار الماضي، اعلِن رسمياً في العاصمة موروني انتخاب الداعية الإسلامي المعتدل أحمد عبدالله سامبي رئيساً لاتحاد الجزر، بأغلبية 58% من الأصوات، في حين حصل منافِسه الأقرب ابراهيم خالدي على 28% منها، مع العلم أن هذا الأخير كان مُرشح رئيس الجمهورية الذي انتهت مدة رئاسته غزالي السوماني، وحزبه quot;التوافق من أجل التجديد في جزر القمرquot;.
كما شغل خالدي فيما مضى منصب رئيس الوزراء في ظل حكم الرئيس الأسبق محمد سعيد جوهر، وهو من المنطقة الأكثر كثافة سكانية في جزيرة هنزوان ـ حيث وقف بحزم ضد النزعات الانفصالية. أما المرشح الثالث سيئ الحظ فكان محمد جعفري اليشرطي الذي لم ينل سوى 13.72% من الأصوات، وهو كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، لكنه فضّل الاستقالة منذ 27 شباط الماضي لكي يخوض الانتخابات مُنفرداً، من دون دعم الرئيس وحزبه، وقد اختلف معهما في شؤون عديدة كان آخرها معارضته رفع أسعار المشتقات النفطية في أيلول 2005، (بعد أحداث عنف في 24 من ذلك الشهر راح ضحيتها قتيل ونحو 15 جريحاً في العاصمة).
هذا كله يُعطي مصداقية كبيرة للانتخابات الرئاسية التي جرت تحت حماية 462 عسكرياً، معظمهم من جنوب افريقيا، كُلّفوا السهر على أمن الاقتراع من طرف الاتحاد الإفريقي، إضافة الى مراقبين من المنظمة الفرنكوفونية والجامعة العربية ولجنة الاتحاد الهندي.


ومن المعروف أن مؤسسات الدولة الاتحادية تخضع لنصوص الدستور الذي تمّ إقراره في استفتاء عام في 23 كانون الأول 2001 وهو ينص على أن تكون رئاسة الدولة مُداورة بين الجزر الثلاث التي تُشكّل الاتحاد، وهي القمر الكبرى وهنزوان وموهيلي. وبما أن العقيد غزالي السوماني الذي انتُخب لمنصب الرئاسة في نيسان 2002 ـ بعد أن وصل الى السلطة بواسطة انقلاب عسكري عام 1999 ـ هو من القمر الكبرى، (عاصمتها وعاصمة الدولة quot;مورونيquot;)، فإن خليفته لهذا العام كان ينبغي أن يكون من جزيرة هنزوان لمدة أربع سنوات حتى 2010، حين تؤول الرئاسة الى جزيرة موهيلي.
ولا يتجاوز عدد الناخبين في الجزر الثلاث 310 آلاف ناخب. وقد تمّ تعيين المرشحين الثلاثة للرئاسة بعد انتخابات أولية جرت في هنزوان في 16 نيسان المنصرم، بمشاركة 14 مرشحاً. وقد عرفت جزر القمر البالغ عدد سكانها 630 ألف نسمة نحو 20 انقلاباً أو محاولة انقلاب منذ استقلالها عن فرنسا عام 1975، قام بمعظمها المرتزق المعروف بوب دينار مع حفنة من رجاله. وكانت جزيرة هنزوان بالذات قد شهدت محاولات انفصالية خلال الأعوام الماضية، داعية الى الالتحاق بفرنسا ـ كما فعلت جزيرة مايوت سنة الاستقلال ـ ما يعطي أهمية خاصة لكون الرئيس الجديد من هذه الجزيرة بالذات.
ومما يزيد أهمية هذه الانتخابات الأخيرة شخصية الرئيس المنتخب أحمد عبدالله سامبي. فهو من مواليد 5 حزيران 1958 في موتسامودو أهم مدن هنزوان. كان والده داعية ومدرس قرآن. وقد أتمّ هو دراسته الثانوية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة بين 1977 و1980، قبل أن يُتابع دراسته لمدة سنة في السودان. ثم إلتحق لمدة أربع سنوات بمدرسة فقهية في إيران هي quot;حوزة القائمquot; في مدينة قمّ، حيث تابع علوماً دينية وسياسية. واشتهر في مطلع الثمانينات بالخطب والمواعظ الدينية التي كان يُلقيها في الجامع الكبير في موتسامودو، ثم في مدغشقر وفي جُزر موريس، قبل أن يستقر نهائياً في جزر القمر عام 1986 حيث أسّس مدرسة للبنات من دون أن ينقطع عن إعطاء الدروس في الجوامع. وقد فرضت السلطات آنذاك حظراً عليه، نظراً لإقبال الشباب للاستماع إليه. كما دخل السجن للسبب ذاته. ولم ينخرط فعلياً في العمل السياسي إلا في عام 1989 بعد حادثة اغتيال الرئيس عبدالله. وكان أحد مؤسسي quot;حزب الجبهة الوطنية للعدالةquot;، ودَعَم بشكل فعّال ترشيح محمد تقي عبدالكريم في رئاسيات 1990. لكن هذا الأخير لم يُنتخب إلا في عام 1996، مما سمح لسامبي بدخول البرلمان حيث رأس quot;لجنة القوانينquot;. ولكن في العام التالي اتُهم بمساندة الحركة الانفصالية في هنزوان، حيث أنه تولى تزويد الجزيرة بالمؤن بواسطة باخرة quot;مدينة سيماquot; التي يملكها، لفك الحصار الذي فُرض عليها لمدة ستة أشهر، حيث أنه اضطر مرة أخرى للجوء الى مدغشقر. وبعد عودته عام 2000 انصرف الى كل أنواع التجارة (صناعة الُفرش، ثم في عام 2003 أسس وحدة لإنتاج العطور، ثم افتتح مصنعاً لتعبئة المياه المعدنية)، من دون أن يتخلى عن العمل السياسي. فعارض بشدة إقامة علاقات مع إسرائيل، ودان quot;الآيات الشيطانيةquot; لسلمان رشدي... ولقبه اليوم quot;آية اللهquot; جاءه من إيران بسبب لحيته وملابسه التقليدية وعمامته التي تُشبه زي رجال الدين الإيرانيين.. وهو من هواة لعبة كرة المضرب ـ التنس ـ التي تشغل وقته مع السياسة والصلاة.. quot;الخدمة لا الاستخدام: آية الله، المرشح النظيفquot; كان شعاره الانتخابي.