الإثنين: 2006.07.010


ترثديك و ديكستر فيلكنس*


تخطط القوات الأمريكية جرف ثلاث مجموعات سكنية في وسط مدينة الرمادي، شبه المُهدَّمة والتي تعد مركز التمرد في العراق، بهدف إنشاء منطقة خضراء صغيرة على غرار المنطقة الخضراء في بغداد، في محاولة جديدة للسيطرة على المتمردين.
مباني الحكومة القائمة في وسط هذه البلدة المُدمَّرة تشبه القلعة: تحيطها أنقاض، وأكياس الرمل، وتحصينات، ومجاميع من القوات الأمريكية والحرس الوطني العراقي على استعداد تام لإطلاق النار. لكنها مُحاطة أيضاً بأعداء تواقون للتوغل إليها. يعيش مشاة البحرية الأمريكية (مارينز) هنا كُل ثمانية بغرفة واحدة، الاستحمام أمر نادر بسبب نقص المياه الجارية.
تهديد القناصة قائم على الدوام. يبدأ المارينز في الركض لحظه وضع أقدامهم خارج منشآتهم. تم إلغاء معظم الدوريات الراجلة بسبب خطر المقاومة. أما حرارة النهار فتقارب 120 درجة فهرنهايت.
الغذاء لا طعم له. الشبابيك مغطاة بأكياس الرمل. المكان تسوده رائحة البول الكريهة، وأيضاً رائحة أعداد كبيرة من الأجساد المتلاصقة لفترة طويلة.
أحد مشاة البحرية ينادي آخر من مكتبه quot;أنت يا صاح، هل لك أن تجلب أحداً لتنظيف المرحاض في الطابق الثاني؟ إني أشمّ الرائحة الكريهة وأنا هنا في الطابق الأولquot;.
الإصابات جسيمة هي الأخرى. عندما سُئِلَ الكابتن أندرو دل غوديو (30 عاماً من منطقه برونكسس/نيويورك) عن عدد الجرحى، أجاب بسرعة وبطريقة مُفعمة بالحيوية من دون تفكير: إنه قليل. quot;العريف توسي، أصيبَ برصاصةٍ في فخذه. العريف، زيمرمان، أصيبَ برصاصه في ساقه. العريف سارديناس أصابته شظايا في الوجه. العريف ويلسون، شظايا في الحنجرة. هذا كل ما أستطيع أن أتذكّره الآنquot;.
هكذا تمضي الأمور في الرمادي مركز التمرد العراقي ومحور الصراع الطاحن بين القوات الأمريكية ورجال العصابات.
منذ ثلاث سنوات جرَّبَ سلاح البحرية والجيش كل شيء تقريبا لإخضاع هذه العاصمة الإقليمية التي تضم 400,000 نسمة تحت السيطرة، لكن دون جدوى.
الآن يحاول القادة العسكريون الأمريكان أن يجربوا شيئاً جديداً. فبدلا من الاستمرار في القِتال من أجل السيطرة على مركز المدينة أو إعادة بنائه، فهم سيتخلصون من المركز، أو من جزء كبير منه في الأقل.
يقولون إنهم يُخطِّطون لجرف حوالي ثلاث مجموعات سكنية في وسط المدينة، الذي تحوّل جزء منه إلى رُكام جراء القتال، لتحويله إلى منطقة خضراء بنسخة طبق الأصل من المنطقة الخضراء، المُحصّنة والمستقرة إلى حد كبير، التي تؤوي القيادة الأمريكية والعراقية في بغداد.
الهدف من الفكرة هو كسر quot;المأزق الداميquot; للقوات الأمريكية في الرمادي وذلك بإنهاء الصراع على المقرات الحكومية للمدينة التي يهاجمها المتمردون كل يوم تقريبا. المركز الحكومي سيبقى لكن الحيِّز الفارغ الذي سيحيط به سيُحرِم الثوار من أي غطاء للهجوم. quot;سنقوم بتحويل المركز إلى حديقة،quot; طبقاً للعقيد سين ماكفارلاند. ينظر القادة الأمريكان لمدينة الرمادي السنيّة العربية بمثابة مفتاح ضمان السيطرة على محافظة الأنبار التي تُعد الآن أحد أكثر الأماكن هلاكاً للجنود الأمريكان في العراق. الكثير من الأحياء السكنية هنا لا تخضع إلا اسميا تحت سيطرة الأمريكان، فهي تقدم الملجأ والمأوى للمتمردين الذين يُغيرونَ في بعض الأحيان على المراكز الحكومية في مجاميع لا تقل عن 100 من المتمردين في وقت واحد. في الأسبوع الماضي جرت معركة مُسلّحة في منتصف الليل بين مجموعه من المتمردين وقوات المارينز استمرت ساعتين لم تنته إلا عندما ألقى الأمريكان قنابل موجّهة بأشعة الليزر على مبنى نصف دمر وسط المدينة. لقد جُرِحَ ستة من المارينز ولم يُعرَف ماذا حصل للمتمردين. حكومة بالاسم فقط الحكومة العراقية موجودة هنا بالاسم فقط. في الأسبوع الماضي اختفت نحو 7 ملايين دولار من مصرف الرافدين تحت سمع وبصر مركز سيطرة أمريكي مقابل المصرف. شرطي عراقي أصيب برصاصة في وجهه وسقط في قارعة الطريق وقد كانت بين أصابعه بطاقة هويته الشخصية الصادرة عن القيادة الأمريكية. محافظ الرمادي، مأمون سامي رشيد علواني، ما زال يذهب إلى عمله تحت حراسة عسكرية أمريكية. لكن العديد من كبار المسؤولين في المحافظة هجروا العمل معه بعد اختطاف وقطع رأس سكرتيره في مايو الماضي. المحافظ السابق قد اغتيل، كما اغتيل رئيس المجلس البلدي، خضر عبد الجبار عباس، في أبريل. وفي اجتماع لمجلس المحافظة الأسبوع الماضي حضر الاجتماع ستة فقط من مجموع 36. قال طه حميد مِخلف، المدير العام لشؤون الطرق: quot;الإرهابيون يريدون أن يجعلوا سكان الأنبار خارج سيطرة الحكومة.quot; لكن مخلف هذا اختفى عن الأنظار في الشهر الماضي عندما ظهر وجهه وعنوان وظيفته في محطة تلفزيون quot;العراقيةquot; التي تمولوها وتديرها الحكومة الأمريكية. ومنذ ذلك الظهور التلفزيوني لم يظهر مِخلف في العلن حيث قال: quot;أصدقائي قالوا لي إن الإرهابيين يخططون لقتلي فذهبت إلى الأردن إلى حينquot;. تجوب دوريات الشرطة العراقية شوارع عدد ضئيل جدّاً من الأحياء، خاصة تلك الأقرب إلى القاعدة الأمريكية. في العملية الهجومية التي أزال فيها الأمريكان بصورة تدريجية كل الأحياء السكنية كانت قوات المارينز وحدها تقريبا من خاض القتال، وليس الجيش العراقي. الكتيبة الثالثة، فوج مشاة البحرية الثامن، التي تضم ثمانمئة جندياً كانت حتى وقت قريب هي المسؤولة بمفردها عن السيطرة على الجزء الأكبر من الرمادي. لقد فقدت هذه الكتيبة 11 جندياً من المارينز منذ وصولها في مارس الماضي. لقد رفض القادة الكشف عن عدد من الجرحى، لكن عموماً فعدد الجرحى الأمريكان في العراق يتجاوز سبعة أضعاف عدد القتلى.
وضع المارينز بعض الملصقات داخل مبانيهم، أحدها يقول: quot;من عادات العقل أن تكون مهذّباً، ومهنيّاً، وأن تكون لديك خطّة لقتل كل من تلتقي.quot; والنكتة الجلفة تنتشر أيضا. ففي ورقة معلقة في مبنى يؤوي المارينز كتب جندي ما يلي: quot;هنا، نحن نقتل من الناس أكثر مما يقتل السرطان.quot; لقد فرض المارينز سيطرتهم على المركز الحكومي، غير أن القتال حوّل المنطقة إلى بحرٍ من الخراب. جنود المارينز الذين يقومون بتفجير المباني يطلقون أسماء من عندهم على كل مبنى يتم تفجيره، مثلاً: السفينة الحربية جراي، الجبنة السويسرية..إلخ. هذه المباني ستخضع للتجريف لأنها تقع ضمن خطة المنطقة الخضراء.
يقول المُقدَّم ستيفن نيري إن الاحتفاظ بهذه المباني يكلِّفُ دماً، من الأفضل هدمها، علاوة على ذلك quot;من الناحية الجمالية سيكون هناك تحسن.quot; يضيف: لقد قتلت قنبلة وُضعت على جانب الطريق ثلاثة جنود مارينز وبحّاراً في مارس الماضي. جندي مارينز آخر قُتِلَ بالرصاص في جبهته تحت خط الخوذة تماما بواسطة قنّاص. عدد الإصابات بين العراقيين ـ المدنيين والمتمردين ـ مازال مجهولاً ومن المستحيل حصر عددهم بسبب الفوضى الضاربة في البلاد. أشد أسلحة المتمردين فتكا هي القنابل المصنوعة محليّا. هذا النوع من القنابل يغطي الرمادي تقريبا: أظهرت خريطة عسكرية أمريكية اطلعنا عليها أن الجيش الأمريكي اكتشف مؤخرا 50 مكاناً كانت مزروعة بالقنابل المحلية الصنع. قبل أسبوعين قُتِلَ قناص من مشاة البحرية بواسطة قنبلة محلية عندما كان يركض من منزل قام للتوِ بتفتيشه.
أحيانا يشعر المرء كما لو أنّ القنابل في كل مكان. في واحدة من الدوريات الليلية التي استغرقت ساعة في الأسبوع الماضي اكتشفت مجموعه من المارينز قنبلتين زُرِعتا في منطقة تخضع لعمليات تفتيش منتظمة، أي إنهما وُضِعَتا في غضون الأيام القليلة الماضية. واحدة كانت مخبّأة تحت كومة من النفايات والأخرى تحت صفيحتيّ بنزين وضعتا في منتصف الطريق. لقد اكتشفها المارينز بفضل نظارات الرؤية الليلية، بينما كان من المرجح أن تسير عربات همفي فوقها فتنفجر بها.
في الحقيقة، غالبا ما يكتشف المارينز قنابل مصنوعة من معدن وأسلاك مُغطاة بالنفايات في شوارع هي نفسها تُغطيها المعادن والأسلاك والنفايات.
صاح جندي المدفعية جون سكروجينس من مقعده بعربة همفي وهو يشير إلى الشارع: quot;انظر هناك... انظر إلى ذلك الشيء هناك.quot; في الحقيقة كان هناك أنبوب معدنيّ رقيق مرتبط بسلك أخضر طويل ناتئ اتجه نحو الرصيف. لقد كان ذلك الشيء قنبلة من نوع القنابل البدائية التي قتلت أعداداً كبيرة من المارينز. تحتوي هذه القنابل عادة على ما يسمي بضغط الزناد الذي يغلق دائرة كهربائية حيث تنفجر القنبلة عندما تسحق سيارة الأنبوب. لقد كانت عربة الهمفي على بعد قدمين فقط من القنبلة عندما اكتشفها جندي المارينز.
في نهاية الأمر، فإن نجاح الأمريكيين في تحقيق الأمن بالرمادي يتوقف على مدى الدعم الذي يمكن أن يتلقوه من العراقيين. لكن هذا يبدو بعيد المنال مع سكان الرمادي.
يقول العريف باتان إنه أمر مذهل ويثير الحيرة مع هؤلاء السكان... كنت أنا ومجموعة من رجالي نسير ببطء في عرباتنا الهمفي في شوارع المدينة... ما أن ظهرت عرباتنا حتى اختفى كافة العراقيين من الشارع فجأة وكانوا بحدود 30 عراقياً. صحت: quot;انتبهوا، انتبهوا إنهم سيضربوننا،quot; لكن quot;بعدما غادرنا الشارع عاد العراقيون إليه ثانية... بدورنا عدنا إلى الشارع ثانية فاختفى الناس مرّة أخرى، وهنا صحت من جديد: quot;انتبهوا سَنُهاجَم.quot; لكن الهجوم لم يقع أبداً... أدركنا أن هؤلاء الناس يعبّرون عن اشمئزازِهم منّا بطريقتهم الخاصة، وهناك مُسلّحون يعبّرون عن اشمئزازهم بطريقتهم الخاصة أيضاً.

* كاتبان أمريكيان