بيروت - راكان السعايدة - الرأي الأردنية


المواجهة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي لا تقتصر على المواجهات الميدانية في جنوب لبنان وحسب، فهناك مواجهة ربما كانت في اليوميين الماضيين ضارية بين محطة بث إسرائيلية وقناة المنار التي سيطر الإسرائيليون موجاتها في أوقات متقطعة لكنها هذه المرة طويلة لبث رسائل تهاجم الأمين العام لحزب الله وتوجه رسائل لمقاتليه وللبنانيين.

الرسائل الإسرائيلية عبر المنار كانت في اليوميين الماضيين مختلفة عن الرسائل التي كانت تبث في أوقات سابقة فقد تضمنت صورا تدعي إسرائيل أنها لمقاتلي من حزب الله وأحيانا لقوائم تظهر تباعا لأسماء ثلاثية ورباعية لمن تدعي إسرائيل أنها قتلتهم من عناصر حزب الله.

ويبدأ اختراق موجات المنار بصورة لأمين عام حزب الله كتب في أعلاها عبارة تقول عناصر حزب الله انتبهوا.. ومن ثم تظهر صور فوتوغرافية التقطت في مناطق حرجية وأخذت من أكثر من زاوية لثلاثة جثث بملابس عسكرية تظهر عند رأس احدهم خوذة عسكرية كتب على مقدمتها بالعربية كلمة حزين.

أكثر الرسائل التي يبثها الإسرائيليون باستمرار على المنار عبارة عن صورة لأمين عام حزب الله حسن نصر الله تكون بمثابة خلفية لنص يقول:

يا حسن.. لقد وصلنا إلى بعلبك دون ما رادع.. لقد وطأنا أسيادا على قلعتك. وبعد أن يبقى هذا النص على شاشة المنار لبعض الوقت يتبعه بث شريط مصور لما تقول إسرائيل أنها عملية الإنزال التي نفذتها قوات كوماندز على مستشفى دار الحكمة في أطراف مدينة بعلبك.

وأمس كانت هناك رسالة جديدة ظهرت لأول مرة على المنار تبدأ بعبارة نصر الله يخدعكم ويخفي عنكم الخسائر الكبيرة في صفوف عناصر حزب الله.. ومن ثم عبارة فيما يلي قائمة ببعض أسماء القتلى الذين تخلى عنهم نصر الله وينكر موتهم. في الأثناء يظهر صوت لنصر الله وهو يقول نحن لا نخفي قتلانا وشهدائنا وهي عبارة وردت في أحد خطاباته المسجلة..

وتكرر العبارة لأكثر من مرة في وقت يمر فيه شريط يظهر تباعا قائمة تقول الرسالة أنها القائمة الأولى لأسماء (89) شخص تدعي إسرائيل أنهم من عناصر حزب الله تم قتلهم أثناء المواجهات في جنوب لبنان.

وذات قائمة الأسماء أعدت على شكل مناشير ألقاها الطيران الإسرائيلي منذ صباح أمس على بيروت والعديد من مدن اللبنانية والتي شكك لبنانيون في صحة الأسماء الواردة فيها.
ويقول بشار شرار وهو خبير في عمل القنوات الفضائية أن إسرائيل تعمل ليل نهار لاختراق الموجة التي تبث عليها قناة المنار لهدفين الأول التشويش على بثها بحيث لا تعود قناة يسعى اللبنانيون لمشاهدتها لكثرة الخلل في الصوت والصورة خلال فترات مختلفة.

والهدف الآخر، اختراق الموجة التي تبث عليها القناة لغايات شن حرب نفسية للتأثير على معنويات المقاتلين وجماهير حزب الله عبر تلك الرسائل الموجهة سواء أكانت رسائل صوتية أو كتابية أو بواسطة الصور لما تدعي إسرائيل أنها إنجازات حققتها وخسائر كبدتها لحزب الله.

وتحيط قناة المنار المكان الذي تبث منه برامجها بالسرية التامة الذي يعتقد أنه تحت الأرض خشية تعرضها للقصف بعد أن استهدفت مواقع محطات البث الرئيسية والكبيرة الثابتة. وهي الآن تعتمد على محطات بث صغيرة ومتحركة ومتخفية لضمان عدم تعرضها للقصف والتدمير لكي تواصل بثها على مدار الساعة.

وتخصص المنار كل وقتها للتعبئة الجماهيرية ودعم المقاومة ونقل ما يصدر عنها من بيانات عن سير المواجهة. إلى جانب شنها حربا نفسية مكثفة على الإسرائيليين مدنيين وعسكريين بإظهار جرحى وقتلي الجيش الإسرائيلي وأثار الصواريخ التي يطلقها حزب الله على المستعمرات من الحدود الشمالية إلى العفولة.

ويرجح إعلاميون متخصصون في التلفزة أن إسرائيل تشغل محطة بث قوية على ذات موجة المنار لكن بقوة تردد عالية تمكنها من أن تبث عليها ما تريد رغم أن المختصون بالموجات في المنار يعملون فور عملية الاختراق الإسرائيلي على زيادة قوة البث للسيطرة على الموجة ومنع الإسرائيليين من قرصنتها.. وهو ما ينجح بعض الوقت ويفشل في وقت أخر.

ويعتقد الإسرائيليون أن المنار تمارس إلى جانب التعبئة الجماهيرية دور وسيلة اتصال أخرى بين القيادة العسكرية والسياسية والمقاتلين في مناطق المواجهات في الجنوب من خلال ناقل رسائل وأوامر مشفرة ومتفق عليها مسبقا.

في لبنان، لا تجد أحدا من مختلف الطوائف يشعرك أن الحرب النفسية والدعائية التي تشنها إسرائيل عبر اختراق موجات المنار وبعض الإذاعات المحلية أو بواسطة إلقاء المنشورات تؤثر على معنوياته رغم أنك تسمع من فئات ملاحظات كثيرة على توقيت حزب الله في خطفه لجنديين إسرائيليين. لكن المتحفزين للنقد وإبداء الملاحظات على حزب الله ومن ورائه سورية وإيران في أساط المواطنين اللبنانيين نادرا ما يبيحون لك برأيهم وإن باحوا فأنهم يؤكدون بإصرار أن وقت المحاسبة لم يأت بعد، وأن التركيز الآن على وحدة صف اللبنانيين لمواجهة العدوان ودعم المقاومة وعدم التفريط عبر أي تسوية سياسية بسيادة وكرامة اللبنانيين الذين دفعوا ثمنا غاليا في هذه الحرب.

تقول الحاجة أم علي (سنية تقيم في بيروت قرب الضاحية الجنوبية) أنها تشاهد قناة المنار باستمرار وترى ما يقوم الإسرائيليون ببثه عبر محطتها المفضلة من رسائل تسئ للمقاومة وحزب الله. وتؤكد أنها لا تلقي بالا لهذه الأكاذيب والادعاءات.

ما تؤكده (أم علي) هو ذاته ما يؤكده محمد يحي (سني متزوج من شيعية يعمل مدرس رياضيات قبل أن ينزح من صور إلى بيروت) ويقول: ما تبثه إسرائيل عبر المنار وبعض الإذاعات خصوصا صوت الشعب ترهات ودليل عجز على دحر المقاومة التي هزت الصورة الأسطورية للجيش الإسرائيلي كنا نعتقد أنه لا يقهر. ويضيف ما تحاول إسرائيل إثارته من مخاوف في نفوس الناس عبر رسائل تبث قرصنة على المنار أو ما تدعيه في منشوراتها نتعامل معه بسخرية واستهزاء.

وقال: أتحدى الإسرائيليين أن تكون حربهم النفسية قد أثرت على معنويات أي لبناني من رجال المقاومة.

و لا يتوان قاسم زيدان (طالب حاسوب في الجامعة اللبنانية) عن وصف مشاعره المتفاخرة بالمعجزات التي حققتها المقاومة. ويقول كلما رأينا إسرائيل تخترق المنار وتبث ما تبثه من صور ورسائل نشعر أن المقاومة انتصرت وحطمت الهالة التي صنعها العرب لإسرائيل وجيشها.

ويصر على قول أن العرب قادرون على هزيمة إسرائيل إن كان لديهم إرادة وقرار بهزيمتها،وعليهم (أي العرب) أن ينظروا إلى الانتصارات التي تحققت في جنوب لبنان طيلة شهر كامل من المواجهة في جنوب لبنان بين آلاف المقاتلين من حزب الله بسلاحهم البسيط وبين عشرات الآلاف من الجيش وقوات النخبة المدججون بآلة دمار (برا وبحرا وجوا) لا مثيل لها.

أم علي ومحمد يحي وقاسم زيدان قد تكون نماذج للبنانيين مرت عليهم الكثير من الولايات والحروب الداخلية والخارجية زادت فيهم الإصرار والشعور بالأنفة والقدرة على تحمل المزيد من التضحيات طالما أن المقاومة في الجنوب تحقق ما لم يكن يتصوره أحد أو يخطر على بال بشر في لبنان والإقليم والعالم.