أحمد الجار الله


في مؤتمره الصحافي الدوري الذي عقده في جدة قبل يومين تحدث الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بالإشارة, على أساس أن كل الحاضرين من أولي الألباب, وانتقد علاقات بعض دول تقوم على حساب المصلحة العربية محذراً من الضياع وفقدان الهوية, ولا ندري إلى متى يظل المسؤول العربي واقفاً على مسافة مشحونة بالضباب من المواطن العادي, ويخاطبه بالألغاز, ويظل, مهما اشتدت الظروف صعوبة, محافظاً على خطوط الرجعة, مع أن الذين يحتفظ لهم بهذه الخطوط قد لا يبقون حكاماً فوق كراسيهم.

نحن نوضح كلام الأمير سعود وما قصده لأننا متحررون من وضعيته الديبلوماسية التي تقتضي منه دائماً التحدث بلغة الإشارة وما يعتريها من غموض... الأمير سعود قصد بكلامه النظام السوري الذي يقيم علاقة ستراتيجية مع نظام طهران ترقى في أهميتها على أي علاقة مع أي بلد عربي, وسبب ذلك أن طهران تغذي النظام السوري بالمال الشخصي الذي يذهب إلى جيوب المعني به, ولا يذهب إلى خزانة الدولة, مقابل مقاولات القتل التي يمتهنها النظام السوري, وأصبحت جزءاً من تراث رجاله وتاريخهم القاتم, وإذا كانت هناك خطيئة ارتكبها المحفل الدولي في لبنان أخيراً فهي اكتفاؤه بضرب ذيل الأفعى, أي raquo;حزب اللهlaquo; بينما المطلوب ضرب تحالف المال ومقاولات القتل السياسي في طهران ودمشق , الذي هو رأس الأفعى, حتى تكون الحرب مجدية وقاضية لأهدافها السياسية, الآنية والبعيدة, قصدنا أمن واستقرار المشرق العربي, والقضاء على المشاريع الشعوبية التي تقودها طهران ودمشق من أجل الاستيلاء على هذا المشرق وإخضاعه.

موطن الخطر الآن في إيران وسورية, وهذا الموطن يمتاز بالمراوغة,والكذب, وعدم المصداقية, والتحايل, وخصوصاً في جانبه الإيراني, الذي يعيش على تبادل الأدوار المتناقضة, والتنصل من المسؤوليات, والإكثار من مرجعيات السلطة والقرار, وتناثر المواقف بين الاعتدال المزعوم والتشدد القائم, بينما هذه المواقف لا تتجاوز نصها الأيديولوجي السياسي الداعي إلى الهيمنة وأخذ الموقع العائد للنظام العربي العام, والذي يبدو أنه يعاني الاحتضار ويشجع على التطاول, وتغذية الطموحات غير العربية الإسرائيلية والإيرانية وغيرهما.

نلاحظ هذه المواقف الحربائية المتلونة في تصريحات الرئيس الإيراني نجاد, التي بدأت متشددة, وتدعو إلى إلقاء إسرائيل في البحر ودعوة اليهود إلى الرحيل من فلسطين المحتلة, إذا أرادوا النجاة, وانتهت بأن إيران, بقوتها النووية الصاعدة, لا تهدد أحداً, بمن فيهم إسرائيل.

والمشكلة هنا أن إيران, بغياب منطق الدولة فيها, وبتعدد المرجعيات السلطوية, وبانضوائها تحت جناح حكم ديني مطلق, يقوده ولي الفقيه المعصوم الذي لا يخضع للمساءلة ولا للحساب من قبل أي سلطة في البلد... إن إيران هذه بهذه التركيبة السلطوية المتشابكة الخيوط لم تعد تتمتع بثقة المجتمع الدولي, وأصبحت في الوقت نفسه مستعصية على التعريف هل هي دولة دينية ثيوقراطية, هل هي دولة براغماتية تحاكي الواقع, هل هي دولة روحية توطئ لمجيء المهدي المنتظر, كما يتصور الرئيس نجاد?! لم يعد أحد يعلم ما هي إيران هذه, رغم أن أهدافها أصبحت معروفة, وتتصل بإحياء إرث الامبراطورية الفارسية التي دخلت الإسلام صاغرة, وجعلت صراعها مع العرب صراعاً وجودياً يقوم على الاستعلاء القومي, ولا يخفض جناح الذل من الرحمة ولا يحمد الله على نعمة الإيمان وأخوة الدين.

إيران بهذا الطموح الراهن أصبحت مشروعاً عدوانياً لا يجوز على أي عربي أن يستقوي به على أخيه العربي, وربما من هذا المعنى توصل الأمير سعود الفيصل إلى التحذير من فقدان الهوية العربية.
إيران في الواقع ليست بحاجة إلى برنامجها النووي إلا لتغذية طموحاتها الامبريالية, وإحياء إرثها الامبراطوري القديم, فهي رابع دولة منتجة للنفط في العالم, وثاني دولة منتجة للغاز, وما لديها من مصادر الطاقة الطبيعية الرخيصة يغنيها عن اللجوء إلى مصادر الطاقة الذرية الباهظة التكاليف.

وفي كل الأحوال فإن إيران إذا أصرت على إنتاج الطاقة الذرية من أجل الاستخدام الساعي, فإن بإمكانها الذهاب بهذا المشروع إلى آخره, وإخضاعه لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولتفتيش رجالها المفاجئ, وإذا رفضت هذا السياق المشروع, متذرعة بالمعاملة مع إسرائيل, على أساس أنها مجرم غير مقبوض عليه ومن حق إيران بالتالي أن تفعل ما تريد... نقول إذا رفضت هذا السياق الدولي المشروع, فإنها من دون شك سترعب الخليج وسترعب العالم, وستهدد واحدة من أهم المناطق للصناعة العالمية, وللاقتصاد العالمي.

هنا يصبح الخطر من فقدان الهوية, كما قال وزير الخارجية السعودي, قائماً حين يتحالف النظام السوري مع هذه الطموحات الشعوبية, ويتحول إلى حصان طروادة مملوءاً بالجنود الإيرانيين, وداخل الأسوار العربية كلها.
لبنان المسكين دفع لوحده ثمن طموحات إيران فعاد عشرين سنة إلى الوراء, وتضاعفت عليه أثقال القروض, وبات ينظر إلى المستقبل بعيون خائفة... والسبب كان بعضاً من أبنائه عملوا في خدمة المشروع السياسي الإيراني فخانوا أنفسهم وخربوا بلدهم, وجعلوا من مغامرتهم عبرة لسائر البلدان العربية التي قد تلاقي ذات الخراب اللبناني, إذا سارت على ذات الدرب الإيراني, وقد تفقد هويتها, وفي طليعة هذه البلدان سورية التي يحكمها نظام فئوي مقاول قتل, يبيع خدماته لإيران مقابل الدولارات الأميركية.