عبد الرحمن الراشد
نحن أمام مشهدين متشابهين في اساءة استخدام المفهوم الديموقراطي. الأول عندما قاطعت الحكومات الغربية الحكومة الفلسطينية لأن حركة حماس فازت في انتخابات حرة.
والمشهد الثاني حماس تريد اساءة استخدام الديموقراطية. تريد الحكومة والأموال ولا تريد ان تفي بالتزاماتها الدولية بالمفاوضات، والمحلية مثل دفع المرتبات للموظفين. تريد ان تستمتع بمنافع اتفاق اوسلو وترفض دفع ثمنه. فالاتفاق هو الذي اوصلها الى حكم فلسطين باعتماد نظام الانتخاب وأقصى فتح التي كانت تحتكر السلطة.
الآن مرت على موظفي الحكومة خمسة اشهر بلا مرتبات، مئات الآلاف في الدوائر الحكومية والمستشفيات والمدارس والأمن في ضيق وضائقة خطيرتين، وشرعوا بتوجيه غضبهم الى حكومة حماس من خلال الاضراب. وبدل ان تتحمل حماس المسؤولية صارت تنقل اللوم على غيرها بالادعاء ان فتح وراء الاضراب. فهل يعقل ان كل مئات الآلاف لعبة في يد فتح؟ الحقيقة ان خمسة اشهر بلا مرتب انتحار يسقط اي حكومة مهما كانت مبرراتها. وحماس لم تبلغ ناخبيها بما عليهم تحمله ولم تستشر مواطنيها بعد فوزها حتى تطالبهم بان يستغنوا عن لقمة عيش اولادهم. وهي اليوم تحاول التملص تارة بلوم الغرب بانه يحاصرها، وتارة بانتقاد مواطنيها الذين انتخبوها بالقول انهم لعبة في يد فتح.
خطأ حماس انها ترفض الاعتراف بأصل العلة، وهي انها تريد ان تبقى حركة مقاتلة وتطلب من اوروبا ان تمولها ماديا، اي تريد ان تكون اسلامية بفوائد ربوية سياسيا. ثم يقول رئيس الوزراء اسماعيل هنية ان حكومته تحت الحصار لكنه لا يخوض في التفاصيل. لم يقل لمواطنيه انه يريد المعونات المالية ويرفض الالتزام بشروطها. لم ينبههم قبل ستة اشهر انه سيوقف مرتباتهم، ولم يقل لهم حتى الآن ماذا سيفعل بعد خمسة أشهر. الحقائق المسكوت عليها كثيرة، اولها انها سياسة النعامة حيث تدفن الحكومة رأسها في الرمل رافضة مواجهة الواقع. والواقع انه يستحيل ان تدير حماس الحكومة بلا اموال، والحقيقة الاخرى ان لا حليف لحماس سوى ايران.
ولكن إيران لن تدفع لها الا فتات ما يدفعه الاوروبيون. والحقيقة المنسية والمؤسفة انها ترفض التفاوض وهي لن تستطيع تحرير الاراضي الفلسطينية بالقوة خلال الزمن المنظور. بل الحقيقة الرقمية تقول ان عدد العمليات المسلحة ضد اسرائيل تناقصت بعد وصول حماس للحكم. والحقيقة الماثلة امامنا اليوم ان حماس في الوقت الذي ترفض فيه التفاوض تريد حكومة وطنية مشتركة حتى تفاوض عنها بالنيابة، وتبقى هي في السلطة. كما تريد من الموظفين ان يعملوا بلا مرتبات حتى لو جاع اطفالهم.
لنتذكر ان الفلسطينيين صبروا على تجويع اسرائيل لهم لكنهم ليسوا مستعدين للموت جوعا من اجل ابقاء حماس في الحكم وهي بلا مشروع زمني واضح. لا يعقل ان العمليات المسلحة تناقصت ومعاناة المواطن الفلسطيني زادت وحماس لا تريد ان تعطي الناس وعودا واضحة بماذا تنوي فعله.
التعليقات