عبدالله خليفة الشايجي
إنها المواجهة في سياسة quot;حافة الهاويةquot; مع إيران حول ملفها النووي، خاصة مع رسم معالم المواجهة التي اتضحت عقب انتهاء مهلة القرار 1696 يوم 31 أغسطس الماضي لوقف التخصيب. ومع التحدي والتصعيد الإيرانيين والإصرار على الحق المكتسب الذي لا رجعة عنه، والذي يلخصه الرئيس المثير للجدل أحمدي نجاد وتصريحاته النارية وآخرها: quot;إن الشعب الإيراني لن يتراجع قيد أنملة أمام التخويف بالعقوبات، ولن يتخلى أبداً عن الطاقة النووية السلمية. إن قوى الاستكبار لا تريد لإيران التقدم. وعلى الأعداء أن يعرفوا أن الشعب الإيراني متمسك بحزم بحقه.quot;، يرتسم المشهد الإيراني الرافض لتطويق طهران ومنعها من تخصيب اليورانيوم وامتلاك السلاح النووي والسعي للهيمنة وملء الفراغ في المنطقة بأسرها.
الغرب يتحفز -بإنقسام مع روسيا والصين وتشتت وضياع عربي هو أقرب للتفرج والتحسر- في لعبة باتت تشكل خطراً استراتيجياً حقيقياً على أمننا واستقرارنا، خاصة في منطقة الخليج. حيث المخاطر الحقيقية الواردة في تقرير للبنتاغون، وتحذيرات للسيستاني أخيراً من حقيقة باتت جلية عن خطر انزلاق العراق نحو حرب مذهبية بين السُّنة والشيعة، ومع قرار البرزاني منع رفع العلم العراقي في كردستان العراق، فإن بلاد الرافدين تقترب، وبسرعة، ليس من تلك الحرب التي يخشاها الجميع، ولكن من تقسيم حقيقي يغير العراق ويجعل منه دولة منهارة، تستفيد منها إيران اللاعب الرئيسي على الساحة العراقية.
إيران، التي تصر واشنطن وبعض حلفائها على تهميشها وجعلها ركناً من أركان quot;محور الشرquot;، تنظر لنفسها كدولة محورية وأساسية ضمن ما تسميه أميركا quot;الشرق الأوسط الكبيرquot; أو الواسع (BMENA). وتجد إيران نفسها، وقد استعادت توازنها وبدأت تلعب أوراقها لتستفيد من غياب الأعداء ولملء الفراغ ومقارعة أميركا من جنوب مضيق هرمز إلى جنوب العراق الممسكة به بذكاء ودهاء، ومن غرب أفغانستان إلى جنوب لبنان الذي دفعت رياح انتصار quot;حزب اللهquot; المزيد من الزخم والهواء في شراع إيران لتستقوي بذلك النصر الذي كان لإيران -كما ترى- الفضل الكبير في المنازلة مع إسرائيل التي هي في الحقيقة بدعم عسكري وبسلاح ومال إيرانيين. ولتكتمل صورة إيران القوية، فإن طهران ماضية في برنامجها.
تتمسك إيران بحقها وبدعم من مختلف أطياف الشعب الإيراني بامتلاك القدرات النووية، كما تستقوي بأوراق قوة أبرزها دورها المؤثر في العراق لتحويل الجنود الأميركيين -الـ 140 ألفاً- إلى رهائن، بعد أن أمسكت بالأرض في العراق، كما أن ورقة الطاقة وأسعار النفط المرتفعة تتسلح بها إيران مع انتصار quot;حزب اللهquot; -كما ترى- باستخدام السلاح والدعم الإيرانيين وقدرته على مقارعة السلاح الأميركي لدى إسرائيل. وتقوم طهران باستعراض عضلات محسوبة عبر مناورات quot;الرسول الأعظمquot; في الربيع الماضي وquot;ضربة ذو الفقارquot; الحالية و تجربة صواريخ quot;النورquot; وquot;فجرquot; وصواريخ أرض جو وبحر، تُطلق من غواصات، لإيصال الرسائل لمن يهمه الأمر في المنطقة وخارجها.
إن القلق الخليجي من البرنامج الإيراني مبرَّر، خاصة في ظل سياسة الهيمنة الإيرانية، فيما نحن نبقى متفرجين متحسرين في لعبة عض الأصابع، وسط خط نار لن نكون بمنأى عن تداعياته العسكرية إذا ما اندلعت الحرب، أو بأضعف الإيمان بالخطر البيئي نتيجة -لا سمح الله- عطل فني في مفاعل quot;بوشهرquot; الأقرب إلى مدننا كالكويت والمنامة والدوحة منه لطهران وغيرها من مدن إيران، أو بسبب زلزال تشهده إيران بين الحين والآخر، فماذا نحن فاعلون؟ لم نفعل أكثر من المطالبة المكررة في قمة أبوظبي الأخيرة بجعل المنطقة بأسرها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها إسرائيل. مطالبات لا تلتفت لها إيران وبالتأكيد إسرائيل.
يبدو جلياً اليوم أن هناك خيارين لا ثالث لهما مع إيران المستقوية بأوراقها، وهي ترى الرياح تهب في أشرعتها وتنقلها نحو الهيمنة والتسيد: إما القبول بامتلاك إيران السلاح النووي والذي بات مسألة وقت، أو المواجهة العسكرية المسلحة لتأخير البرنامج النووي الإيراني، خاصة بعد امتلاك إيران القدرة لإنتاج الماء الثقيل، الذي يعني أن إيران لم تعد بحاجة للتخصيب لإنتاج البلوتونيوم.
أمران أحلاهما مُر، يعنيان أن إيران قوة إقليمية مهمة تراهن على الوقت وعلى الانقسام في مجلس الأمن بقيادة أطراف تتزعمها روسيا والصين وبعض الدول الأوروبية، التي ترى أن باب المفاوضات لم يغلق بعد والتهديد بالعقوبات أمر سابق لأوانه، مما يجعل الموقف الأميركي بالغ الصعوبة والتفرد في فصول مواجهة مكلفة وخطرة لم يكتب فصلها الأخير بعد.
التعليقات