جون كيه . كولي - كريستيان ساينس مونيتور


نجحت الامم المتحدة في إقرار وقف لاطلاق النار في جنوب لبنان في الشهر الماضي عبر تمرير القرار 1701. وفي اعقاب تفويت الفرصة على إسرائيل في محاولة تفكيكه، شرع حزب الله بالبناء على النصر الذي حققه من خلال تقديم مساعدات سخية للبنانيين الذين مزقتهم الحرب، كاسبا بذلك على طول الطريق قلوب وعقول شعوب الشرق الأوسط. ولذلك فانه من الاهمية بمكان بالنسبة للمجموعة الكونية ان تؤازر اعادة اعمار لبنان.

ان الخطوة الاولى تكمن في تكريس الأمن. ويتطلب تفعيل القرار 1701 انتشارا سريعا لقوة الامم المتحدة ذات القيادة الاوروبية لتعزيز وجود قوات اليونيفيل في جنوب لبنان. وسيكون من شأن أمور مثل التعاون وضبط النفس من قبل حزب الله واسرائيل وقوات الجيش اللبناني، وقوامها اربعة عشر الف جندي والتي انتشرت حديثا في الجنوب، أن تكون عوامل رئيسية في تحقيق ذلك. اما التحديات الاقتصادية، فهي كبيرة جداً. وتقول وكالة الانماء التابعة للامم المتحدة quot;ان الدمار قد اتى على منجزات الخمس عشرة سنة الماضية من العمل في اعادة إعمار لبنان وإعادة تأهيلهquot; في اعقاب الحرب الاهلية التي امتدت طوال الفترة بين عامي 1975 و1990. ويقدر اجمالي الخسائر اللبنانية على الاقل بملبغ quot;خمسة عشر بليون دولار، إن لم يكن اكثرquot;، طبقا لما قاله الناطق بلسان الوكالة جين فاب.

ويقول لبنان ان الضرر الهيكلي المباشر الذي نجم عن الحرب الأخيرة قد بلغ في قيمته 3،6 بليون دولار، بما في ذلك تهديم خمسة عشر الف منزل (والتي وزع حزب الله على أصحابها مبالغ نقدية تراوحت بين عشرة الاف الى اثني عشر الف دولار لترميمها او اعادة بنائها). وأصيب مطار بيروت ومعظم الموانئ البحرية بعجز مؤقت في الاثناء. كما تم تدمير نحو ثمانين جسرا واربعة وتسعين طريقا او لحقت بها اضرار كبيرة، بالاضافة الى الحاق اضرار بمصانع واعمال تجارية تنتج منتجات الالبان وغير ذلك من الاطعمة المعلبة.

وقد سبب الحصار البحري والبري الذي استمرت إسرائيل في فرضه على لبنان بعد وقف أعمال الاقتتال التي بدأت بعد ان اقدم حزب الله على خطف جنديين اسرائيليين ما اشعل فتيل الحرب بخسائر ضخمة لحقت بلبنان وبمكاسب تحققت لسورية من جهة أخرى. وادى الحصار المذكور الى تحويل بضائع تقدر قيمتها بملايين الدولارات عن ميناء بيروت الى الموانئ السورية في اللاذقية وطرطوس. كما تم إرسال بضائع اخرى كانت متجهة الى لبنان الى موانئ كل من اليونان وتركيا ومصر وقبرص ومالطا.

وفي الغضون، يتعامل خبراء بحريون من الامم المتحدة واليونان وغيرها من دول الاتحاد الاوروبي مع التلوث الذي سببته بقعة بطول مائة ميل، والتي تسبب بها تسرب خمسة عشر الف طن على الاقل من زيت الوقود على طول السواحل اللبنانية والسورية. وكان سلاح الجو الاسرائيلي قد تسبب في تكوين هذه البقعة بعد ان قصف مستودعات الوقود في محطة الطاقة الساحلية اللبنانية في الجية. وقد تكلف عملية السيطرة على التلوث وتنظيف الشواطئ السياحية والموانئ ما يصل الى خمسة بلايين دولار. وقد حالت الرياح والتيارات المائية حتى الان دون ان تنتقل البقعة الى المياه الإسرائيلية، لكن الوكالة الاممية تخشى من تحرك التلوث الناجم عن البقعة النفطية باتجاه الغرب والشمال نحو قبرص وتركيا واليونان. ولم تستجب إسرائيل حتى الان علنا لطلب لبنان إليها مد يد المساعدة المالية لعملية التنظيف.

وسط كل ذلك، يثبت مسؤولو العلاقات العامة الاذكياء في حزب الله أنهم ماهرون في كسب القلوب والعقول اللبنانية والعربية والمسلمة. ولمواجهة نداء حزب الله، فان على كونسورتيوم عالمي من المانحين الذين اجتمعوا في ستوكهولم في الاول من هذا الشهر ان يسرع في تقديم المبلغ الضخم غير المتوقع الذي كانوا قد تعهدوا بتقديمه، والبالغ 940 مليون دولار على شكل مساعدت للبنان.

وتتمتع اليونان بموقف طيب لتوجيه جهد اعادة الاعمار. وقد كانت اليونان، سوية مع قبرص، هي الدولة الاولى التي سارعت إلى إرسال اطنان من المساعدات الانسانية الى لبنان عندما اندلع القتال في شهر تموز الماضي، كما انها ارسلت سفنا لاجلاء اكثر من ثلاثين الف أجنبي عن الأراضي اللبنانية. وقد ارست وزيرة الخارجية اليونانية دورا باكويانيس فكرة النوايا الطيبة في المنطقة. وكانت اليونان قد تولت في الاول من ايلول (سبتمبر) الحالي الرئاسة الدورية لمجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة وهي مهمة تعزز من مكانتها في هذه الآونة.

في نفس الوقت الذي يعمل فيه لبنان على استعادة بنيته، فإن من الضروري العمل على اعادة تأسيسه وتكريسه كمركز اقليمي للثقافة. وعندما وصل المراسل الذي يكتب هذا المقال اول مرة الى بيروت في عام 1965 كانت المدينة عبارة عن مركز متحرك للحرية الفكرية، بل ولتجلي نوع من الديمقراطية اوما هو قريب منها، وهي الديمقراطية التي تقول ادارة بوش بأنها تحاول نشرها في العالم. وقد عكست مجموعة من الصحف التي لا تخضع للرقابة والدوريات وناشري الكتب طائفة واسعة من الآراء التي تنم عن مناخ تعبيري حر.

ومن جهتها، يمكن ان تشكل جامعة بيروت الاميركية عمودا حيويا لاستعادة لبنان. وكانت هذه الجامعة قد تأسست في عام 1866، وتخرجت منها أجيال من المحترفين والاكاديميين والفنانين والسياسيين من كل مكان، بما في ذلك اسرائيل. ويضم الخريجون رؤساء دول ورؤساء حكومات من تركيا واليونان والمملكة العربية السعودية وايران. وكانت قد روجت ndash; وابقت على قيد الحياة ndash; الفكر العربي الناهض في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين، وهو ما أفضى في نهاية المطاف الى قيام الثورات ضد الحكم الاستبدادي التركي العثماني خلال الحرب العالمية الاولى. وبالرغم من الاستنزاف الذي حل في زمن الحرب بالكليات والأساتذة والطلاب، فانها صمدت امام عواصف الحربين العالميتين الاولى والثانية. وخرجت من الصعوبات التي عصفت بلبنان وسائر المنطقة بعد قيام دولة اسرائيل في عام 1948.

وقد تمكن كادر وموظفو الجامعة والرئيس الحالي للجامعة quot;جون ووتربريquot; من المحافظة على وحدة الجامعة خلال العاصفة الاخيرة. ويعِد حرمها الاخضر المضياف في غربي بيروت باستمرار الجامعة في أن تكون نبراسا يفتح الطريق أمام الرغبة التي تم الاعراب عنها في رسالة مؤسسي البعثة الاميركية: quot;حتى يكون لديهم ndash; شعوب الشرق الادنى ndash; حياة يعيشونها بارتياحquot;.

إن هذه الرؤية يجب ان تكون هدياً لمهندسي الفكرة القائلة بخلق شرق اوسط مستقبلي، والذين يجب ان يتخلوا عن الدعوة الى حمل السلاح ويلتفتوا بالتالي الى استعادة الشكل الإبداعي والثقافي والاخلاقي للمنطقة.