لندن - سوزانا طربوش


خلال السنوات الخمس التي تلت الهجمات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١ ndash; وخصوصاً بعد الهجمات الانتحارية التي استهدفت مدينة لندن في السابع من شهر تموز (يوليو) من السنة الماضية ndash; أمسى المسلمون في بريطانيا عرضةً للضغوط ومصدراً للشكوك في بعض الأحيان. ومع ذلك، ازداد عزمهم وتحسّن تنظيمهم وراحوا يسعون إلى استكشاف الجوانب كافة المتعلقة بمكانتهم في المجتمعيْن البريطاني والأوروبي.

ويُقدّر عدد المسلمين في بريطانيا ما بين 1.6 مليون ومليونيْ نسمة، وتتسم هذه الجالية بالتعددية. وتنتمي غالبية المسلمين البريطانيين الى أصل باكستاني، أما البقية فتأتي من شبه القارة الهندية، ومن عدد كبير من الدول العربية والشرق أوسطية وغيرها.

وخلال هجمات لندن التي طاولت شبكة النقل العام الماضي، فجّر أربعة مهاجمين انتحاريين أنفسهم وأزهقوا أرواح ٥٢ شخصا. وعلى عكس هجمات الحادي عشر من أيلول، نُفذت هذه الهجمات على يد مسلمين وُلدوا في البلد نفسه الذي تعرّضوا له. وقد تساءل أحد البريطانيين وآثار الصدمة تبدو عليه يومها: كيف يمكن لمسلمين وُلدوا في بريطانيا أن يتحولوا إلى متطرفين إلى درجة أنهم يقبلون الخضوع لتدريبات ستودي حتماً بحياتهم وحياة عدد هائلٍ من المواطنين أمثالهم؟

بعد مرور أسبوعيْن على هجمات السابع من تموز، شهدت مدينة لندن أربع محاولات أخرى لشن هجمات انتحارية، باءت جميعها بالفشل. بينما لم يكف المسؤولون الحكوميون وأعضاء الشرطة عن التحذير من أنّ هجمات إرهابية أخرى ستقع لا محال في بريطانيا.

حتى أنّ الصحيفة الأميركية The New Republic (الجمهورية الجديدة) ادّعت أخيراً أنّ بريطانيا تشكّل اليوم تهديداً أمنياً يفوق في خطورته العراق أو إيران بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ذلك أنّ الجاليات المسلمة البريطانية تشكل أرضاً خصبة لأعمال العنف المتطرفة. وأضافت الصحيفة أنّه تبعاً للتحذيرات والاعتقالات الأمنية الأخيرة، يمكن القول إنّ laquo;التهديد الأعظم لأمن الولايات المتحدة لا ينبع من إيران أو العراق أو حتى أفغانستان، بل من بريطانيا العظمى، حليفنا الأقربraquo;.


قوانين ضد الإرهاب

ومنذ هجمات أيلول، ضاعفت الحكومة البريطانية جهودها الآيلة الى سنّ قوانين صارمة لمكافحة للإرهاب، وهي قوانين تستهدف المتشددين الإسلاميين في شكلٍ خاص. وبات المسلمون العاديون يشعرون بأنّ تلك القوانين والقوى الجديدة لا تميّزهم عن المتطرفين، وفي هذا الإطار، أعرب عددٌ من الناشطين العاملين في حقل حقوق الإنسان والمحامين والسياسيين عن قلقهم حيال التعرّض للحريات الفردية باسم صون الأمن. وقد عانى المسلمون حالات اعتقال مجحفة، نذكر منها قضية اعتقال الأخويْن اللذيْن أوقفهما مئتا شرطي في فوريست غايت Forest Gate، شرق لندن، في شهر حزيران (يونيو)، وذلك بعد أن اتهما بالسعي الى تنفيذ هجوم انتحاري. وقد أصيب أحد الأخويْن برصاصة في الكتف خلال عملية التوقيف، ولكن لم تتمكن السلطات من إثبات التهمة عليهما.

اليوم مع بزوغ كل فجر جديد، تتواكب معلومات إضافية حول تحذيرات ومؤامرات مع اعتقالات أمنية. ففي العاشر من شهر آب (أغسطس)، أعلن وزير الداخلية جون ريد عن إحباط مؤامرة كان هدفها تحطيم عددٍ من الطائرات المتجهة من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة. وحتى السابع من شهر أيلول، اتُّهم ١٧ مسلماً بالتورط في هجمات مدبّرة، ومن بينهم عدد من البريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً.

وفي قضية مختلفة، أوقفت الشرطة ١٤ شخصاً في الأول من شهر أيلول في إطار مداهمة عددٍ من الأماكن العامة في لندن، من بينها مطعم صيني. وكانت الشرطة تبحث عن مدرسة إسلامية في منطقة East Sussex بتهمة أنها ربما تُستخدم لتدريب مقاتلين إسلاميين.

وأعلن بيتر كلارك، قائد فرع مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة، أنّ الشرطة تراقب بانتظام laquo;آلافraquo; البريطانيين المسلمين المشتبه بهم والمتهمين بالتورط مع مجموعات إرهابية. ويُذكر أنّ عدداً من المسلمين البريطانيين التحقوا بالمقاومة في العراق وقد فجّر بعضهم أنفسهم في عمليات عدّة. وأعربت دوائر الاستخبارات والشرطة المحلية عن قلقها حيال التهديد الذي قد يشكله هؤلاء العائدون من العراق، على الأمن القومي في المستقبل.

ولا يفوّت رئيس الوزراء توني بلير وأعضاء حكومته فرصة للتشديد على أنّ شنّ العمليات الإرهابية وخطر وجود المتطرفين الإسلاميين لا علاقة لهما بالسياسة الخارجية، بما في ذلك الحرب على العراق. وهم يلقون اللوم على الصراع التاريخي الإسلامي- الإسلامي من جهة، والإسلامي- الغربي من جهة أخرى.

ولا يحظى نفي وجود أي صلة بين السياسة الخارجية والخطر على الأمن سوى بقدرٍ ضئيلٍ من الصدقية. والجدير قوله إنّ السياسة التي تعتمدها بريطانيا في فلسطين وأفغانستان والعراق واليوم في لبنان، كما دعم بلير لسياسات الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، كلّها عناصر تؤجج نار الغضب الإسلامي.


رسالة مفتوحة

وفي تطوّر لافت لم يصب في مصلحة الحكومة، وقّع ١٢ نائباً مسلماً من حزب العمل و٣ مسلمين أعضاء في مجلس اللوردات و٣٨ من المجموعات الإسلامية، على رسالة مفتوحة موجهة إلى بلير دعوا فيها إلى إحداث تغييرات laquo;ملحةraquo; في السياسة الخارجية للمملكة للتأكيد أن القيم البريطانية هي التي تصون حياة المدنيين.

وحذّر الموقّعون على الرسالة من أنّ السياسة البريطانية تشكّل خطراً متزايداً على المدنيين داخل بريطانيا وخارجها. وسلّطت الرسالة الضوء على laquo;الهزيمةraquo; التي منيت بها الجيوش الحليفة في العراق وموقف بريطانيا حيال الأزمة في الشرق الأوسط. وأشار صادق خان، أحد نواب حزب العمل من بين الموقعين على الرسالة، إنّ العديد من المسلمين البريطانيين يرون أنّ سياسة بلادهم الخارجية مجحفة وغير عادلة. مضيفاً: laquo;إنّ الإحساس بالظلم وانعدام العدالة يلعب لمصلحة المتطرّفين، شئنا أم أبيناraquo;.

وقد أثارت هذه الرسالة حفيظة وزير الداخلية، جون ريد، الذي وصفها بأنها سوء تقدير لجهود الحكومة، مؤكداً أنّ laquo;ما من حكومة تتمتع بالكفاءة والعزم تقبل البقاء في السلطة إذا كان الإرهابيون هم الذين يملون عليها السياساتraquo;.

لقد ساهمت هجمات لندن الإرهابية والخطر الذي يشكله التطرف الإسلامي، في زرع الشكوك حيال مفهوم التعددية الثقافية، الذي كان ركيزة سياسات الحكومة البريطانية ازاء المجموعات الإثنية لعقودٍ من الزمن.

وظهر من استطلاع للرأي أجرته منظمة Pew، أنّ مسلمي بريطانيا هم الأكثر مناهضةً للغرب في أوروبا. ويزداد الحديث حول التعددية الثقافية ووقوفها وراء التفرقة الخطيرة بين المجموعات الصغرى، كما نسمع أخيراً عن الحاجة الملحّة لتشاطر الحسّ laquo;بالانتماء إلى بريطانياraquo; أو ما يُسمى الـ Britishness.

وفي هذا الإطار، دعا روث كيلي، وزير الداخلية لشؤون المجموعات الصغرى والحكومة المحلية، إلى فتح نقاشٍ جدي وجديد حول كيفية استئصال التطرف من جذوره، وأوضح إنّ طرح مواضيع كالهجرة واللجوء السياسي على النقاش، لا ينمّ عن أي شعورٍ بالعنصرية.

وتعاني شرائح المجتمع البريطاني من شروخٍ عدّة لجهة النظرة إلى التطرف الإسلامي. وفي هذا السياق، نشرت ميلاني فيليبس، وهي كاتبة وصحافية ومذيعة مناصرة لإسرائيل، كتاباً بعنوان: laquo;لندنستان: كيف تبني بريطانيا دويلة الإرهاب داخل الدولةraquo;. وبحسب فيليبس، تحولت بريطانيا إلى قلب أوروبا النابض لجهة تعزيز الإرهاب والتطرف الإسلامييْن وتمويلهما، وذلك أمام أعين الحكومة والبرلمان والاستخبارات والشرطة البريطانية.

وتلقى آراء فيليبس صدىً واسعاًً في صفوف الشخصيات النافذة في وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية البريطانية. والجدير بالذكر أنّ هذه الشخصيات استخدمت مصطلح laquo;الإسلام الفاشيraquo; منذ سنوات وقبل أن يستعمله الرئيس الأميركي جورج بوش أخيراً.


الذكرى المرفوضة

من جهة أخرى، شهد بعض الأحياء مظاهرات ضد المجلس الإسلامي في بريطانيا الذي أسس عام 1997، ويجمع تحت قبّته ٤٠٠ جامع ومنظمة. ومن الأسباب التي أطلقت العنان لهذه الحملة رفض المجلس المشاركة في اليوم التكريمي لضحايا المحرقة اليهودية، وتجدر الإشارة إلى أنّ حكومة بلير هي الأولى في بريطانيا التي تنظم إحياء هذه الذكرى. ولتبرير موقفه، ردّ المجلس قائلاً إنّ رفضه المشاركة لا يعني نفياً لوقوع المحرقة، إنما اقتناعاً منه بأنّ كل المجازر تستحق أن تتذكرها بريطانيا ذات يومٍ من أيام السنة، شأنها شأن المحرقة.

وفي ذلك السياق نشر المحرر السياسي في صحيفة New Statesman الليبرالية الأسبوعية مارتن برايت انتقادات ضد المجلس الإسلامي في بريطانيا، زاعماًً إنه على علاقة بالإخوان المسلمين. وقد قدّم برنامجاً تلفزيونياً على شاشة القناة الرابعة Channel 4 في شهر تموز تناول فيه laquo;العلاقة الغراميةraquo; المزعومة التي تربط بين الحكومة البريطانية والإسلام المتطرف.

واستهدف مارتن برايت وغيره من النقاد رجل الدين المصري يوسف قرضاوي، الذي نال دعماً وتشجيعاً من الحكومة البريطانية التي تعتبره معتدلاً في آرائه. إلاّ أنّ النقد طاول بعضاً من آرائه، ومنها دعمه للعمليات الانتحارية التي ينفذها الفلسطينيون، laquo;ما يعني أنه يفتقر إلى الاعتدالraquo;.

كما طاولت الانتقادات التحالف بين اليمين البريطاني، ولا سيّما حزب العمال الاشتراكي، وبعض المجموعات المسلمة على غرار جمعية المسلمين في بريطانيا، وذلك في إطار إنشاء ائتلاف laquo;أوقفوا الحربraquo; الذي ينظم مظاهرات وغيرها من النشاطات ضد الحرب على العراق. أضف إلى ذلك أنّ حزب الاحترام، الذي أسّسه النائب جورج غالواي بعد طرده من حزب العمل نتيجة تعليقاته المعادية للحرب على العراق، يضم شريحة واسعة من المسلمين.

وبعد هجمات السابع من تموز، بذلت الحكومة البريطانية جهداً علنياً للتقرب من الجالية المسلمة، من خلال دعوة قادتها إلى مقر رئاسة الوزراء البريطانية بهدف مناقشة كيفية تأليف مجموعة عمل، وقد خلصت مجموعة العمل هذه التي تضم مسلمين الى وضع أربع وستين توصية، إلاّ أنّ الحكومة لم تطبق سوى النذر اليسير منها.

وأخيراً، تمّ تشجيع بعض الهيئات الجديدة التي توصف بكونها laquo;معتدلةraquo;، على مجابهة المجلس الإسلامي في بريطانيا.

ويشكل المجلس الإسلامي الصوفي أحد هذه الهيئات وقد أُطلق في منتصف شهر تموز في احتفالٍ في مجلس العموم بحضور روث كيلي. وادعى قادة هذه المجموعات أنّهم يمثّلون laquo;أغلبية صامتةraquo; أصابها الإحباط جرّاء تباطؤ التطورات منذ انفجارات السابع من تموز.

وقد أسست المجموعة علاقة شراكة مع المنتدى الإسلامي البريطاني الذي يمثل ٣٠٠ جامع في وسط إنكلترا وشمالها. وساهم المنتدى الإسلامي البريطاني في إنشاء مجلس الجوامع والأئمة الاستشاري الوطني، الذي أُطلق هذه السنة بغية رفع المعايير المتعلقة بالجوامع البريطانية.