مدريد - غسان الخوري


بعد خمس سنوات على اعتداءات ايلول (سبتمبر) وبعد اكثر من سنتين من تفجيرات مدريد وعلى رغم مئات الاعتقالات التي قامت بها قوى الأمن الإسبانية وملاحقة آلاف المشتبه بهم وساعات العمل الكثيرة التي كرستها وتكرسها للتنصت واستقصاء المعلومات والأعمال الاستخباراتية، والأموال التي أنفقتها على laquo;الاستثمار في مجال حفظ الأمن ومكافحة الإرهابraquo; والمصاريف التي تكبدتها على دراسة كيفية مطاردة المتطرفين الإسلاميين واعتقالهم من دون المسّ بمشاعر المسلمين المسالمين، لم تتمكن إسبانيا حتى الآن من القضاء على هاجس الإرهاب ولا حتى في وقف توسع شبكاته. وما زالت شريحة كبيرة من المجتمع الأسباني تظن ان laquo;تنظيم القاعدةraquo; انتصر في المعركة وأنه صار اليوم أشد خطراً عما كان عليه قبل الاعتداءات على الولايات المتحدة وأن اعتقال أسامة بن لادن لم يكن يوماً الهدف الرئيس لحرب الأميركيين على الإرهاب.

فعلى أرض إسبانيا، وفي إقليم كاتالونيا بالتحديد، وضعت اللمسات الأخيرة على مشروع تفجيرات الحادي عشر من أيلول، واليها تم تحويل 670 ألف دولار لتمويلها وتمويل تفجيرات مدريد في 11 آذار (مارس) 2004. سلطاتها الأمنية اعتقلت مئات المتورطين بتمويل العمليات الإرهابية (26 هذا العام) وكشفت دور المجموعات الباكستانية التي اعتقلت عدداً من أفرادها أوائل العام الحالي (قبل تفجيرات لندن) وفككت خلايا عدة لتجنيد laquo;المجاهدينraquo; وربطت خيوط علاقات محمد بهائية الملقب أبو خالد وخالد الشيخ محمد، اللذين جاء على ذكرهما أخيراً الرئيس الاميركي جورج بوش، مع خلايا إسبانية برز بينها أخيراً الباكستاني عيسى اسماعيل محمد، صاحب شركة laquo;عيسى كراتشيraquo; في إسبانيا، كما يحمل جنسيتها عدد من مشاهيرraquo;الجهادraquo; مثل مصطفى الست مريم الملقب أبو مصعب السوري. وفي إسبانيا اعتقل محمد عبد الرضا بعد اتهامه بإرسال مجاهدين الى العراق شاركوا في اعتداءات إرهابية، ثم سلّم الى المغرب كما اعتقلت أيضاً لعربي بن سلام وعيسى بن عثمان بالتهمة نفسها. ومن إسبانيا إيضاً انتقل الجزائري بلال بلقاسم الذي قام بعملية انتحارية في مركز القوات الإيطالية في الناصرية عام 2003 وغيره. وما زالت السلطات الأسبانية تعمل بقلق لتفادي خطر حصول اعتداءات إرهابية جديدة على أرضها، لكنها ما زالت في أول الطريق وهي عللت بطء تقدمها في هذا الاتجاه بالأجواء السياسية الدولية التي لا تساعد على ذلك بل تزيد عدد المتشددين معزية نفسها بأنها تمكنت من تحقيق اقل ما يمكن، اي تجنب حدوث كوارث إرهابية على أرضها.

ويؤكد أحد المسؤولين الأمنيين الإسبان ان بلاده صارت أحد أهم laquo;أماكن تجنيد الانتحاريين للجهاد في العراقraquo; (بلجيكا هي الأولى) وان نحو 40 laquo;مجاهداًraquo;، ولدوا أو تربّوا في إسبانيا، معظمهم من السلفيين laquo;يختفون سنوياًraquo; من البلاد ليحارب بعضهم أو يقوم بعمليات انتحارية في العراق أو يبقى بعضهم الآخر في مخيمات التدريب العائدة لـ laquo;الجهاديين الدوليينraquo; في بلدان مثل أفغانستان وبنغلادش وباكستان واليمن والصومال حيث يتدربون على السلاح والمتفجرات وطرق تمويل الخلايا... ويشير المسؤول الى إقليم كاتالونيا شرق البلاد، حيث يكثر عدد الراديكاليين ويتجمع السلفيون كمحطة أساسية، خصوصاً معظم الاعتقالات المتعلقة بالتمويل والتجنيد والدعم اللوجيستي لإرسال laquo;المجاهدين الى العراقraquo; حصلت في الآونة الأخيرة في محافظات من هذا الإقليم، تليه أهمية العاصمة مدريد ثم مدينة سبتة ومليلة في شمال أفريقيا. ويعرب المسؤول الأسباني الذي طلب عدم الكشف عن اسمه عن قلق بلاده من عودة laquo;المجاهدين المدربين على الإرهابraquo; للعيش في اوروبا بانتظار laquo;تفعيل مهماتهمraquo;، عندما يُطلب منهم ذلك. وهذا ما يحصل فعلاً، كما يبدو، إذ يعودون بوثائق مزورة كما فعل احمد سعيد حسيسني وحسن مردود اللذان عادا من الفلوجه عام 2004 فاعتقلا في سورية وهربا منها بوثائق مزيفة ثم اعتقلا في مدريد وبلاد الباسك أوائل العام الحالي بالتزامن مع اعتقال من يعتبره المحققون زعيم شبكة التجنيد وصلة الوصل بين الخلايا في إسبانيا وإحدى قواعدها في سورية، عمر نكشا. ويبدو أن هذه الظاهرة تشمل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا الى جانب إسبانيا وبلجيكا حيث يزداد عدد مراكز التجنيد لأن laquo;استمرارية الجهاد في العراق هي أمر أساسي بالنسبة الى القاعدة، وتجنيد الانتحاريين ضروري لتحقيق هذا الهدف...raquo; وقال المسؤول: laquo;على رغم أن عدد الراغبين في الالتحاق بالمجاهدين مرتفع، لكن معظمهم لا يريد القيام بعمليات انتحارية ولا الذهاب الى العراق. ولذلك فإن عملية التجنيد يجب ان تكون مستمرة وان تضم اكبر عدد ممكن من الشباب...raquo;.

اما بالنسبة الى طرق التجنيد فهي على نوعين. الأولى في الأحياء التي يسكنها المهاجرون المسلمون حيث يقترب laquo;المبشرون السلفيون (بعضم يأتي من فرنسا بلجيكا) من الشباب والمراهقين، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالتهميش ويصعب عليهم الاندماج بالمجتمع الذي يعيشون فيه. ليتم إقناعهم بالالتحاق بالجهاد عادة من خلال دروس ومحاضرات دينية - اجتماعية في المساجد (غير الشرعية في معظم الأحيان) أو في المقاهي والساحات العامة ومحال بيع اللحوم ومراكز الاتصالات الهاتفية... اما الثانية فهي اقل نجاحا، حتى الآن، وتحصل من طريق الانترنت، إذ هناك عدد من laquo;صفحات الويب الإسلاميةraquo; المقفلة بأرقام سرية، يعرض المشاركون فيها أوضاعهم ويطلب بعضهم مساعدات مالية تنتهي برغبة في laquo;الجهادraquo;. على احدى هذه الصفحات نُشرت أخيراً تهديدات لرئيس الوزراء السابق خوسيه ماريا اثنار وللناطق بأسم لجنة الشؤون الخارجية عن الحزب الشعبي غوستافو دي اريستيغي وغيرهما من الكتاب والصحافيين والمفكرين الذين ينتقدون laquo;المتطرفينraquo; أو يبررون مواقف إسرائيل.

وتعتقد أجهزة الأمن الأوروبية ان معظم هؤلاء المجندين laquo;هم من أبناء المهاجرين وينتمون الى عائلات كبيرة العدد. ومن الصعب ان يكون المجند الابن البكر لأن هذا يساعد والده في إعالة العائلة. أكثريتهم من المراهقين الذين يقطعون علاقاتهم بالشباب الإسبان عند بلوغهم نحو 13 سنة ويبرزون اهتماماً وإعجاباً بدور تنظيم القاعدةraquo;. في غرف نومهم علقت صور أسامة بن لادن أو برجا نيويورك وهي تحترق ويغادرون دراستهم ويؤمّن لهم من يجندهم العمل في شركات يملكها laquo;متعاطفون أو حلفاءraquo;. وعندما تنتهي عملية laquo;غسل الدماغraquo; ينتقلون الى العراق أو الى مخيمات التدريب بحسب كفاءاتهمraquo;.

وتشير أجهزة امن إسبانية الى أن laquo;مجموعات باكستانية تعمل في سبته ومليليه تؤمن لهم بطاقات السفر من طريق مالاغا (جنوب إسبانيا) ولندن أو باريس ليدخلوا الى العراق من طريق سورية او غيرها من البلدان المجاورة...raquo;. أما التنسيق في سورية فهو على عاتق مغربيين هما محسن خيبر الملقب laquo;عبدالمجيد الليبيraquo; أو laquo;عبدالمجيد الياسرraquo; وعبدالحي اساس الملقب laquo;عبداللهraquo;. وبما انه معروف ان laquo;المجاهدين الاسبانraquo; يفتقرون الى الخبرات العسكرية او استعمال المتفجرات، يتم تحويلهم الى مجموعة الانتحاريين. وما يقلق المسؤولين الأمنيين في إسبانيا هو عدم تمكنهم من laquo;خرقraquo; هذه الخلايا. وفي الوقت الذي يشيدون فيه بالمغاربة الذين يتعاونون laquo;لمكافحة الإرهاب ونزع السمعة السيئة التي يتسبب بها هؤلاء للعرب والإسلامraquo; فهم يواجهون مشكلتين مع اللغة والمترجمين، ومع الباكستانيين.

خلال النصف الأول من العام الحالي تلقت مديرية المعلومات في وزارة الداخلية تقريراً سرياً من خبرائها يعبر عن قلقهم بسبب ارتفاع laquo;النشاطات التبشيريةraquo; في إسبانيا.

ويحذر التقرير في شكل واضح من ازدياد أعمال استمالة الإسلاميين وتجنيدهم في بعض المساجد خصوصاً تلك التي laquo;تنفذ في شكل مباشر مطالب تنظيم القاعدةraquo;. ويقرّ التقرير بالخطر الذي يحدق فيها بسبب كفاحها ضد laquo;الإرهابraquo;. ويشير الى التهديدات الجديدة التي بدأت تظهر في إسبانيا كما في البلدان الأوروبية والتي تتسبب بها laquo;مجموعات من الإسلاميين الشباب التابعين للجيل الثاني من أبناء المهاجرينraquo;. ويتحدث عن الأحياء المهمشة التي يعيش فيها هؤلاء laquo;حيث ينمو شعور بالحقد على الغرب بخاصة في أوساط المغاربة والباكستانيين الذين يزداد عددهم في شكل ملحوظ في البلاد...raquo;. ويؤكد التقرير وجود ثلاث منظمات مغاربية أساسية ناشطة في إسبانيا هي: laquo;المجموعة السلفية للتبشير والقتالraquo; و laquo;المجموعة الإسلامية للمقاتلين المغاربةraquo; و laquo;التكفير والهجرةraquo;.

تتشكل الأولى من جزائريين في شكل رئيس، انخرط فيها أيضاً صوماليون ونيجيريون وتونسيون وموريتانيون ويتلقى رئيسها أوامره مباشرة من laquo;القاعدةraquo;. والثانية تضم مغاربة. أما laquo;التكفير والهجرةraquo; فإن الشرطة تهتم بنشاطاتها بدقة وحذر حيث تتشكل من مغاربيين تورط بعضهم في تفجيرات قطارات مدريد. ويؤكد التقرير أيضاً منظمات أخرى باكستانية أو هندية الاتجاه (يشتبه بتورط إحداها في تفجيرات بومباي) لكنها ليست قوية. ويتحدث عن ازدياد عدد المهاجرين الباكستانيين والمساجد غير الشرعية في إسبانيا التي يؤمها مواطنون من بنغلادش.