إسلام أباد - جمال اسماعيل


مقتل الزعيم القبلي البلوشي نواب أكبر خان بوغتي على يد الجيش الباكستاني أثار المخاوف من تنامي المشاعر القومية المعادية للحكومة الباكستانية وزيادة أعمال العنف في الإقليم المضطرب الذي يمثل أربعين في المئة من مساحة باكستان لكنه الأكثر فقراً على رغم غناه بالثروات الطبيعية مثل الغاز والنفط.

ويحاذي إقليم بلوشستان كلا من أفغانستان التي تقع إلى الشمال والشمال الغربي منه مع حدود شمالية للإقليم مع إقليم بيشاور الباكستاني، بينما تقع إيران في غرب الإقليم، في حين يحده من الشرق إقليما البنجاب والسند الباكستانيان وفي الجنوب يطل الإقليم بساحله الواسع على بحر العرب. ولسكان الإقليم امتدادات عرقية في كل من أفغانستان وإيران مع وجود جاليات في دول الخليج العربية. وتقطن في الإقليم قبائل ذات أصول عربية هاجرت من ايام الفتوحات الإسلامية واستوطنت.

وتعتبر قبائل بوغتي ومنغل ومري أكبر القبائل التي تتحكم في الإقليم وتسيطر عليه من الناحية الإقطاعية، بينما توجد قبائل أخرى أقل عدداً وشأناً، وتعاقبت قبائل مري ومنغل وبوغتي على حكم الإقليم منذ نشوء باكستان، وكان ولا يزال بين هذه القبائل خلافات واسعة وثارات تتجدد مع كل مشكلة تحصل بين أفراد من هذه القبائل.

وكانت القومية البلوشية تشكل الغالبية من سكان الإقليم لكن مع الاحتلال السوفياتي لأفغانستان وهجرة الملايين من أبناء الشعب الأفغاني إلى باكستان بدأ مئات الألوف من البشتون الأفغان يفدون إلى إقليم بلوشستان الباكستاني ويستوطنونه، مما أثر على التركبية السكانية فيه، وقد استخدم الإقليم خلال سنوات الجهاد ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان ممراً للمجاهدين وقاعدة تدريب ومخزناً للأسلحة والذخائر التي كانت تصل من الاستخبارات العسكرية الباكستانية بالتعاون مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الحليفة. وأدت زيادة نسبة السكان البشتون في الإقليم إلى اضطرابات عرقية بين البلوش الذين كانوا يطالبون بإخراج الأفغان من الإقليم وعودتهم إلى بلادهم والسكان البشتون ( الباتان) المحليين من باكستان الذين كانوا يرون في أبناء عرقيتهم الأفغان سنداً ونصيراً في وجه القبائل البلوشية. وشهد الإقليم في السنوات الأخيرة عمليات نزوج منظمة للشيعة الأفغان واستطيان لهم في مدينة كويتا عاصمة الإقليم مع تسهيلات قدمت لهؤلاء المهاجرين بمنحهم الجنسية الباكستانية، ما زاد من تعقيدات المسألة الطائفية في كويتا.

وفي سبيعنات القرن الماضي شهد إقليم بلوشستان نزاعاً مسلحاً بين الحكومة المركزية في إسلام آباد بقيادة ذو الفقار علي بوتو وزعماء القبائل البلوشية الذين كانوا يتلقون الدعم من الحكومة الأفغانية. وكان في ذلك الوقت الزعيم القبلي نواب أكبر خان بوغتي الذي قتله الجيش الباكستاني قبل أسبوعين حاكماً للإقليم، ونصح بوغتي ذو الفقار علي بوتو بالمعالجة السياسية للمشكلة. لكن بوتو والمؤسسة العسكرية في ذلك الوقت آثروا الحل العسكري مستفيدين من الحرب الباردة والدعم الأميركي.

وفي الأعوام الأخيرة، برزت أهمية إقليم بلوشستان مع الحضور الأميركي في أفغانستان ومحاولات الصين الحصول على نفط الخليج بأقصر الطرق وأقلها كلفة... ووجدت باكستان نفسها ضحية الموقع الجغرافي، خصوصاً إقليم بلوشستان، فالحكومة الباكستانية في حاجة إلى العلاقة مع أميركا والاستثمارات الدولية وهي تسعى إلى مد أنابيب غاز من تركمانستان وإيران عبر إقليم بلوشستان إلى الأراضي الباكستانية ومنها إلى الهند. كما أن الصين تخشى من إطالة أمد الوجود الأميركي في أفغانستان ودول وسط آسيا، الامر الذي تشاطرها إياه الحكومة الإيرانية التي تحاول الخروج ببرنامجها النووي المثير للجدل من عنق الزجاجة والإفلات من التهديدات.

وبدأت الحكومة الباكستانية مشاريع كبرى في إقليم بلوشستان منها تطوير ميناء ومحاولة مد خطوط سكة حديد وطرق تصل الميناء بالمدن الباكستانية الكبرى مثل كراتشي وكذلك بأفغانستان ودول وسط آسيا والصين. ورأى سكان الإقليم في هذه المشاريع التي استحوذ عليها كبار الرأسماليين الباكستانيين من إقليم البنجاب وغيره محاولة لحرمان السكان المحليين من حقهم في واردات الإقليم وحرمانهم كذلك من فرص العمل التي تذهب عادة للعمال المستقدمين من إقليم البنجاب، وحاول الزعماء القبليون وفي مقدمهم نواب أكبر خان بوغتي الذي كان رئيساً سابقاً لحكومة الإقليم الضغط سياسياً على الحكومة من أجل تلبية مطالب الإقليم، لكن، وبحسب وجهة نظر القوى البلوشية المحلية، فإن الحكومة لم تستجب مطالبهم، غير أن وجهة نظر الرئيس برويز مشرف هي أن هؤلاء السردارات في بلوشستان يتحملون مع الحكومات المتعاقبة في الإقليم ومع إسلام آباد مسؤولية تخلف سكان الإقليم وعدم تنميته.

وبدأت المناوشات في الإقليم بحادث بسيط تمثل في اعتداء تعرضت له طبيبة بلوشية من ضابط في الجيش الباكستاني إذ اغتصبها في منزلها بعد أن أبعد زوجها عن المنطقة القريبة من حقول الغاز في بلدة سوي البلوشية، وتفاعلت القضية لتصل إلى مناوشات بين الجيش والعناصر القبلية المسلحة ما لبثت أن امتدت إلى مناطق أخرى في الإقليم.

ومع تزايد أحداث العنف في الإقليم واستهداف معسكرات للجيش الباكستاني بدأت مجموعات بلوشية تصدر بيانات باسم laquo;جيش تحرير بلوشستانraquo; وتطالب الحكومة الباكستانية بسحب قواتها من الإقليم وتلعب هذه المجموعات على وتر المسألة العرقية في الإقليم، غير أن نواب أكبر خان بوغتي الزعيم القبلي الذي أعلن تبنيه مطالب سكان الإقليم في تقاسم ثروات الإقليم نأى بنفسه عن أن يكون زعيماً لجيش تحرير بلوشستان أو أن يكون له صلة معلنة به، على رغم أنه بقي مصراً على معارضة تدخل الجيش وعملياته في المناطق البلوشية، وأصدرت السلطات الباكستانية أوامر باعتقال بوغتي الذي لم يجد بداً من الفرار من ديرة بوغتي مسقطه إلى كهوف في جبال بلوشستان يحتمي فيها هو ومجموعات من المقاتلين الموالين له.

وتزايد عمليات laquo;جيش تحرير بلوشستانraquo; ضد الجيش والمرافق المدنية والحكومية في الإقليم، خصوصاً منشآت الغاز والنفط، تزامن مع النشاط المحموم الذي تقوم به القنصليات الهندية في المدن الأفغانية القريبة من الحدود مع باكستان والتي لا توجد فيها جاليات هندية، وهو ما أثار حفيظة الحكومة الباكستانية التي رأت في هذه القنصليات مراكز استخبارية هندية تسعى الى تجنيد العناصر البلوشية ودعمها بالمال والسلاح، وهو ما زاد من إصرار الحكومة الباكستانية على مواجهة ما سمته التمرد المسلح في بلوشستان بالقبضة الحديد، معلنة في الوقت نفسه أن laquo;جيش تحرير بلوشستانraquo; منظمة إرهابية سيتم التعامل مع أفرادها أو مؤيديهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب.

وزاد الطين بلة تعرض مروحية كانت تقل الرئيس برويز مشرف لإطلاق نار من جبال منطقة كوهلو البلوشية التي كان يتحصن فيها الزعيم القبلي الراحل نواب أكبر خان بوغتي. وهو ما أدى بالرئيس الباكستاني إلى التصميم على القبض على من حاول قتله ولو بأي ثمن.

تضارب الروايات الحكومية عما إذا كان مقتل الزعيم البلوشي حصل بصاروخ موجه بالليزر أو جراء انفجار داخل الكهف الذي كان يقيم فيه، أثار موجة غضب، وكان إرجاء الحكومة تسليم جثة بوغتي لذويه بمثابة صب الزيت على النار البلوشية الحارقة، لذا جاءت تحذيرات قيادات باكستانية مختلفة للجنرال برويز مشرف بوجوب إيجاد حل سياسي لمشكلات الإقليم قبل تفاقمها وحصول انفصال كما حصل في باكستان الشرقية (بنغلاديش حالياً) عام 1971، حين رفضت القيادة العسكرية والسياسية الباكستانية الاستجابة لمطالب البنغاليين فاستعانوا بالهند لينفصلوا في دولة مستقلة.

الجنرال طلعت مسعود وزير الانتاج الحربي السابق قال لـ laquo;الحياةraquo; إن مقتل بوغتي بهذه الطريقة هو أسوأ قرار تتخذه الحكومة وسيكون له ما بعده من تأثيرات على سكان الإقليم الذين سيطالبون بالانفصال بدلاً من المطالبة بحقوقهم في الإقليم. أما الدكتورة نور جهان بني زي النائبة السابقة لرئيس مجلس الشيوخ الباكستاني والمتحدرة من بلوشستان فقالت إن مقتل بوغتي بهذه الطريقة مسألة مؤسفة وأنه كان على الحكومة أن تحاول إيجاد حل سياسي للمشكلات الداخلية، وأشارت بني زي إلى أن مقتل بوغتي بهذه الطريقة قد يزيد من رغبة بعض البلوش بالانفصال وسيفاقم المشكلات أمام الحكومة.