طلال سلمان

في المبدأ: ليس مقبولاً أن يصير رئيس الجمهورية ملكاً..

وحتى لو كانت العملية الانتخابية في اليمن قد تميّزت بقدر عال من الشفافية وعكست صراعاً سياسياً فعلياً بين اتجاهات ذات جذور شعبية، فإن مجرد أن يتحول رئيس الجمهورية، وهو في السلطة، إلى lt;منافسgt; لمرشحين آخرين لن يبرئه من تهمة استغلال منصبه بكل امتيازاته وصلاحياته من أجل إلحاق الهزيمة بمن تجرأ فرشح نفسه بديلاً منه..
وقبل حين من الوقت، وفي لقاء علني، سألت الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يتمتع بقدر من الظرف وسرعة البديهة وlt;الحكمة اليمانيةgt; المشهورة تاريخياً: هل أنت خليفة أمير المؤمنين، أم سلطان، أم إمام جديد، أم شيخ قبيلة، أم ولي، أم رئيس جمهورية؟!
وكان جوابه الفوري الذي أطلقه وهو يضحك: أنا كل ذلك معاً... وهذا شرط ضروري لكل من يريد أن يحكم اليمن.
ولقد التقيت الرئيس اليمني مرات عدة، في صنعاء وفي تعز، في القصر الجمهوري وفي بيته، وفي مكتب القائد العام للقوات المسلحة.. ورأيته مرة بزي أوروبي أنيق، ومرات في القيافة اليمنية الكاملة بما فيها lt;الجنبيةgt;. ودعاني، مرة، لأن lt;نخزنgt; معاً، برغم أنه حاول لفترة أن يمتنع عن مضغ القات، بعدما عجز عن منع هذه الآفة الخطيرة... وسمعته يتحدث عن مناطق اليمن المتعددة المناخات والعادات، وعن القبائل وتفرعاتها ومصاهراتها وتقاليدها وطبيعة علاقتها بالسلطة حديث العالم العارف المدقق.. ورأيت فيه مرات lt;إماماًgt;، وسمعت أوصافاً له من معارضيه أقلها اتهامه بالديكتاتورية وباحتكار السلطة وحصرها في ذاته ومعه عائلته المباشرة وقبيلته.. وحين واجهته بذلك ضحك حتى بانت نواجذه كما كان يقول العرب العاربة..
أكثر من هذا: سمعت صحافياً يمنياً كان يعمل مراسلاً لlt;السفيرgt; يجادل الرئيس في واقعة معينة، فلما فرغ علي عبد الله صالح من روايته، فوجئت بمراسلنا يقول له: هذا كذب! ولم يستفز الرئيس، بل مضى يجادله قائلاً: هل تقول إنني قد كذبت؟! فإذا بالزميل يواصل اتهامه بالكذب، ويصحح رواية الرئيس.. بل ويرد عليه حين سأله: ألست رئيسك يا حسن؟ فيقول: لا، لست رئيسي، بل رئيسي هو رئيس التنظيم الذي أنتمي إليه.. ولكنك، نعم رئيس جمهورية اليمن!..
وحين خرجنا من بيت الرئيس، انتبهت إلى أن المراسل يتصرف براحة، كأن شيئاً لم يحدث.. وحين ناقشته قال: هذه اليمن، وليست أي بلد آخر، ولم نأخذ بعد بقواعد الحديث الأنيس في مخاطبة السيد الرئيس!
وبالتأكيد، فإن lt;عهد علي عبد الله صالحgt; الذي امتد، حتى اليوم، ثمانية وعشرين عاماً قد أنجز بتوحيد اليمن التي كان الاستعمار بالتواطؤ مع نظام الإمامة قد جعلها شطرين ودولتين، ثم احتضنت المصالح الدولية هذا التشطير لإدامته، إنجازاً تاريخياً يمكن اعتباره سابقة طالما تمنى العرب تحقيقها لكن أمانيهم تحولت مع انفراط عقد الدولة التي جسدها ذات يوم توحيد مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة تحت قيادة جمال عبد الناصر وبوهجها إلى أحلام بعيدة المنال، بل لعلها، في هذه اللحظة، تبدو عصية على التحقيق.. بل حتى على الحلم!
وبالتأكيد، فإن حمى السلطة التي أخذت القوميين العرب الى اشتراكية مبالغ بها إلى حد الخروج من يمنيتهم ومن عروبتهم، وجعلت lt;دولتهمgt; مجرد قاعدة سوفياتية بشعارات ماركسية مستفزة، قد وفرت لعلي عبد الله صالح أن يبدو بطل التوحيد، خصوصاً عندما تورطوا في قتاله حرصاً على انفصالهم lt;بدولتهمgt; التي لم يكن شعبها يجد حتى السمك ليقتات به.
ومع ذلك سيظل العالم ينظر إلى علي عبد الله صالح بوصفه محتكراً للسلطة، ملغياً معارضيه، وخارجاً على المبدأ الديموقراطي بتداول السلطة، حتى لو كان قد فاز في انتخابات سليمة، وبوجه منافس جدي تسنده قوى معارضة ذات نفوذ شعبي لا يستهان به.
لكن للإدارة الأميركية رأيها القاطع لكل شك، فهي قد أصدرت شهادة موثقة لحكم علي عبد الله صالح بأنه lt;ديموقراطيgt; مئة في المئة..
وإذا قال جورج بوش lt;نعمgt; فمن يجرؤ على الاعتراض؟
صحيح أن الحكمة يمانية، لكن الديموقراطية في هذا العصر... أميركية!