السبت: 2006.09.23
هناك دروس كثيرة يستطيع العراقيون، ويستطيع العالم أن يتعلمها من طريق مراقبة محاكمة صدام حسين بسبب حملته على الأكراد في العام 1988: الدرس هو أن كل الدكتاتوريين يمكن أن يُجلبوا الى المحاكمة، كما أن آلام الضعفاء لا تنسى ولا تتجاهل، وأن كل العراقيين لديهم رهان مفاده أن تلك الأحداث الفظيعة لن تتكرر مرة أخرى.
بيد أن الواقع، بدلاً من ذلك، هو ما يمكن أن تثيره المحاكمة من سخرية وسوداء وانقسامات بعد أن قامت الحكومة العراقية بتغيير القاضي في الأسبوع الماضي، بسبب ميله المزعوم لجانب صدام حسين. وقد سارع السياسيون السنة لاتهام السياسيين الشيعة والأكراد المشاركين في الحكومة، الى أنهم بهدا الإجراء إنما ينتهكون استقلالية القضاء. والخبراء القانونيون يذكرون المخاوف نفسها. القضاة يقولون أحياناً أشياء غبية. فصدام ليس أمام المحكمة لأنه ديكتاتور، بل إنه يحاكم بتهمة الإبادة الجماعية. وهذه الجريمة هي من البشاعة الى حد كبير، ولذلك يكون على الحكومة أن تجاهد من أجل استقلالية القضاء. وقد تأثرت صدقية المحكمة أصلاً من التطور السابق للمحاكمة، عندما عزل رئيسها بتهمة تسامحه مع صدام. ثم أن ثلاثة من لجان الدفاع جرى اغتيالهم. وقد قال أحد المساعدين الرئيسيين لرئيس الوزراء العراقي معتذراً عن عزل القاضي إن كلماته أهانت مشاعر الشعب العراقي. وقال آخر: صحيح أن القضاء العراقي مستقل، لكن الحكومة تدفع مرتبات هؤلاء القضاة. ومن حقها أن تعيّن أو تعزل أو تنقل أياً منهم! ولذلك، فبالنسبة للقضاة الآخرين بعد هذا القاضي، يصبح التهديد واضحاً.
والأمر محير بالفعل بغض النظر عما إذا كانت تلك هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع القضاء والقضاة. فالمحاكمة في قضية الدجيل، وفي قضية الأنفال، تشكوان من ضآلة الشهود الثقات، ومن اتباع الإجراءات الدقيقة في التحقيق وفي الاستماع وفي إجراءات المحاكمة الأخرى. فسواء في قضية الدجيل أو قضية إبادة الأكراد، مضى على ذلك عشرات السنين، وقد قلّ عدد شهود العيان، واضطربت إفاداتهم، كما أن الأجواء المحيطة بالمحاكمة ليست صحية بالنسبة للقضاة أو بالنسبة للمتهمين أو للمحامين. وقبل ذلك وبعده هناك شخصية صدام، المتهم الرئيسي الذي لا ينفك يتجرأ على القضاة، ويكرر نفس الكلام حول رئاسته العراق، وحول براءته وإجرام كل خصومه حتى الذين قضوا منهم تحت حد سيفه وسنانه.
وبالقياس على محاكمة ميلوسيفيتش سيستمر الأمر على هذا النحو سنوات. وسيستهلك سائر قضاة العراق، إنما هل يصبر الجمهور العراقي، وهل يصبر العراقيون الذين يدعمون صدام على هذا الأمر؟
التعليقات