الخميس: 2006.09.28
توماس فريدمان
هل لا زلت تستمتع بما يقال؟ ما الأمر؟ أليس هناك حس فكاهي؟ ألا تستمتع برؤية الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، وهو يلقي بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويقول عن الرئيس بوش: quot;لقد جاء الشيطان هنا. في هذا المكان تحديداً. هذا المكان الذي تفوح منه رائحة الكبريتquot;، لينفجر العديد من موفدي الدول إلى الأمم المتحدة في الضحك. لم تستمتعوا بذلك؟ حسناً إذن لابد أنكم استمتعتم برؤية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو يجوب أنحاء مدينة نيويورك محاضراً كل من يلاقيه سواء كان من الأمم المتحدة أو من quot;مجلس العلاقات الخارجيةquot; عن شرور القوة الأميركية، وكيف أن الهولوكوست ليس سوى أسطورة. ولا هذه أيضاً.. إذن لابد أنكم قد حصلتم على أقل تقدير على ضحكة خافتة من فم السفير الصيني لدى الأمم المتحدة quot;وانج جوانجياquot;، الذي يحاول إعاقة صدور قرار من الأمم المتحدة يدعو إلى نشر قوات حفظ سلام في السودان لمنع المذابح الجماعية التي تتم في إقليم دارفور. طبعاً سيقول لكم السفير الصيني إن الأمر لا علاقة له بحقيقة أن مؤسسة النفط الصينية الوطنية تمتلك 40 في المئة من أسهم quot;الكونسورتيومquot; النفطي العامل في السودان، والذي بضخ 300 ألف برميل من النفط يومياً من الحقول السودانية. ولا هذه أيضاً؟ حسناً ما رأيكم لو حاولتم تلمس المتعة والفكاهة في حقيقة أن الذي يجمع بين كل تلك القصص هو ذلك المرض quot;الجيوبوليتيكيquot; الأكثر إثارة للعدوى وهو: السلطوية النفطية أو دعنا نطلق عليها quot;البترو- سلطويةquot;.
نعم لقد اعتقدنا أن سقوط حائط برلين سيطلق موجة لا يمكن إيقافها من الأسواق الحُرة والناس الأحرار، وهو ما حدث طوال عقد من الزمان، عندما كان سعر النفط لا يزال منخفضاً. أما عندما ارتفع سعر البترول إلى 60 و70 دولاراً للبرميل فإن ذلك أدى إلى إطلاق موجة مضادة من الزعماء السلطويين الذين لم يتمكنوا فقط من التربع في السلطة بسبب أرباح النفط الهائلة، ولكنهم تمكنوا أيضاً من استخدام الثروة البترولية لتسميم النظام العالمي، ودفعه لغض النظر عن مذبحه جماعية، وتجاهل زعيم إيراني يقول من أحد طرفي فمه إن الهولوكوست ليست سوى خرافة، ويقول من الطرف الآخر إن إيران لن تحلم أبداً بتطوير الأسلحة النووية، أو دفعه للتساهل مع مهرج مثل شافيز يستخدم ثروات فنزويلا البترولية في محاولة التأثير على الانتخابات الديمقراطية، التي تتم في أميركا اللاتينية والترويج لنوع من الشعبوية الاقتصادية التي ستنتهي ببلاده إلى السقوط في الهاوية.
لعديد من الأسباب بعضها متعلق بالدورة الاقتصادية، وبعضها فني وبعضها يتعلق بظهور أنواع وقود بديلة وإجراءات خاصة بالمحافظة على الطاقة، هبط سعر البترول مؤخراً إلى 60 دولاراً تقريباً للبرميل. صحيح أننا نود على المدى الطويل أن يهبط سعر البترول العالمي أكثر من ذلك، لكننا لا نريد لسعر الجالون من البنزين في أميركا أن يهبط إلى ما دون ثلاثة دولارات للجالون، لأن هذا السعر هو الذي يدفع إلى إنفاق استثمارات كبيرة في حقل الطاقة البديلة، وهذا تحديداً هو ما تريده منظمة quot;أوبكquot; أن تدع سعر النفط يهبط لفترة، يمكن خلالها قتل البدائل ثم تقوم برفعه مرة أخرى بعد ذلك.
حول هذه النقطة، يعلق quot;فيليب فيرليجر جي. آرquot;، الاقتصادي الخبير في شؤون الطاقة بقوله: quot;لو كان بوش قائداً حقاً حسبما يدعي، لكان قد فرض رسم استيراد الآن لإبقاء سعر البنزين مرتفعاً، ولكان قلص معدل الضرائب على الضمان الاجتماعي بالنسبة لبرامج الطاقة البديلة، وطبق المزيد من إجراءات المحافظة على الطاقة، ونفذ تغييراً هيكلياً يؤدي إلى تحويل مشتري ومصنعي السيارات إلى استخدام السيارات الأكثر توفيراً في استهلاك البنزينquot;.
هذه هي الكيفية التي يمكننا التخلص بها نهائياً من إدماننا على النفط واعتمادنا على quot;أوبكquot; وتحرير أنفسنا من الحاجة إلى الاستماع إلى هؤلاء quot;البترو- سلطويينquot; المزهوين بأنفسهم، ليس لأنهم يقدمون لأولادهم تعليماً أفضل، أو لأنهم يبنون اقتصادات حديثة قادرة على المنافسة، ولكن لأنهم وجدوا أنفسهم يجلسون على آبار نفط.
حسب مؤسسة quot;بلومبيرج كومquot; ربحت إيران 44,6 مليار دولار من صادراتها من البترول الخام، الذي يعتبر مصدر دخلها الرئيسي. وفي العام نفسه، أنفق quot;الملاليquot; 25 مليار دولار في صورة إعانات للشعب الإيراني لإلهائه وإسكاته. فإذا ما تمكنا من تخفيض سعر النفط إلى 30 دولاراً للبرميل، فإنه يمكنكم أن تخمنوا ماذا يمكن أن يحدث؟ سيذهب كل دخل إيران من البترول إلى الإعانات، وهو ما سيمثل ضغطاً هائلاً على أحمدي نجاد، الذي سيضطر إلى مد يده للعالم الخارجي للحصول على استثمارات، وصدقوني أنه عندما يصل سعر البترول إلى 30 دولاراً للبرميل، فإن الهولوكوست لن تتحول إلى خرافة مرة أخرى.
أما الآن، فإن شافيز وأحمدي نجاد وغيرهما من الشخصيات البترولية، يعتقدون أننا ضعفاء، وأننا سنضطر إلى السكوت، لأننا غير قادرين على عمل شيء وهو ما سيستمر طالما أن بوش لم يخاطب حزبه ولم يخاطب الكونجرس ولم يخاطب شعبه ولم يخاطب قطاع الصناعة لعمل الشيء الوحيد الحازم والقادر على تقليص اعتمادنا على البترول الأجنبي.
إن بوش يثرثر كثيراً عن نشر الديمقراطية والحرية ولكن التاريخ سيتذكر سنوات بوش باعتبارها كانت تمثل الفترة التي كانت quot;البترو-سلطويةquot; لا الحرية والديمقراطية هي التي تنتشر فيها انتشار النار في الهشيم دون أن يفعل شيئاً لإطفائها.
التعليقات