الثلاثاء02 يناير2007


د. حسن مدن

كتب كاتب يقول ما مفاده أن العلاقة ضئيلة إلى حد لا يصدق بين الرأي الذي يكونه أحدنا عن نفسه أو حول نفسه وبين الغرور. وكان يعني بذلك الرأي الذي لا يجرؤ أحدنا على الاعتراف به للمرآة التي يحلق ذقنه قبالتها.

وتحدث هذا الكاتب حول تجربته الشخصية، موضحا انه في الفترة ما بين السابعة عشرة والعشرين من عمره كان له رأي طيب حول نفسه، ويمكن القول انه كان رأياً رائعاً. كان يشعر بأن لديه الدافع اللازم للبدء في عمل ldquo;شيء عظيمrdquo; وانجازه، ولأن يكون ذا نفع للكثيرين في تقويم الأمور.

ويشرح ذلك قائلاً: ldquo;لا يمكنني القول إن موقفي ذاك كان نوعاً من البلاهة الأنانية. فبالرغم من انه كان ليزعجني أن أقابل بالاستحسان من الآخرين، بل وأن ألقى التصفيق منهم كذلك، الا أن هدفي الأول لم يكن كما أظن استغلال الآخرين والاستفادة منهم، وإنما أن أكون مفيداً لهم. لقد كان ما أنويه أكثر تواضعاً، وكان يتمثل ببساطة في أن أكون ذا نفع لأمثاليrdquo;.

غير أن هذا الرأي الرائع حول النفس قد تهاوى كثيراً في ما بعد. أصبح الرجل يشعر بأنه مجرد من الحماية أحياناً، وكان يمكن له أن يتحمل بشكل أفضل أسلوبه في الحياة لو لم يكن يعي أنه أعلى من مهنته المنهكة ومن متعه القليلة ومن إيقاع حواره، لأن معرفة كل ذلك لا تساعده في الحقيقة على الاطمئنان والراحة، بل تولد لديه إحساساً بالإحباط وبأنه غير مؤهل لتجاوز الظروف المحيطة به. لقد كان هو من صنع روتين حياته بنفسه، وبأسهل الأساليب: أسلوب التراكم. وكان يقينه أنه قادر على عمل أشياء أفضل قد أسلمه إلى التأجيل، وهذا سلاح رهيب وانتحاري في نهاية المطاف. ومن هنا كان روتينه بلا شخصية أو تحديد، فقد كان مؤقتاً واتجاهاً غير ثابت على الدوام. إنه اتجاه يمضي فيه خلال فترة التأجيل فقط، ولمجرد منح نفسه القدرة على تحمل واجب العمل اليومي خلال فترة الإعداد التي كان يعتبرها ضرورية ولا بد منها. وأصبح يظن انه غير قادر على الإقلاع عن التأجيل، وهذا برأيه، هو عيبه الكبير الذي لا شفاء منه، لأنه لو قرر الآن بالذات أن يؤكد لنفسه في نوع من القسم المتأخر: ldquo;سأصبح ما كنت أود أن أكونه بالضبطrdquo;، فإن ذلك سيكون أشبه بأن يقذف بنفسه إلى شيخوخة مبكرة، لأن ما يرغب فيه الآن هو أقل تواضعاً مما كان يرغب فيه قبل ثلاثين سنة، خصوصاً أنه لم يعد يهتم كثيراً بالحصول عليه.

تداعيات هذا الرجل تحثنا جميعاً على التأمل في فكرة وجيهة، حول نظرتنا إلى أنفسنا. ليس ذلك فحسب، وإنما أيضاً حول تلك التحولات التي تطرأ على هذه النظرة للذات في المراحل العمرية المختلفة: كيف نكبر؟ كيف نتغير؟