سمير عطا الله
اكتشفت خلال زيارة القاهرة ان في صحيفة laquo;الأهرام ويكليraquo; وهي للمناسبة متواضعة الشكل ممتازة المادة، صحافياً من نوع خاص جداً. انه نجل رئيس غانا الاستقلالية، كوامي نكروما. والسيد نكروما الابن، كاتب مجتهد وذو اسلوب وقد تمصَّر على نحو راق ومؤثر معا. ولا اخفي بأنه قد سرني ان تحتضن القاهرة رجلا من ابناء الذاكرة الماضية. ولا شك ان نكروما الابن يعيش هاجس ذلك الأب، الذي بدأ حياته استاذاً جامعياً في اميركا ثم محررا لشعبه وبطلا من ابطال العالم الثالث الخارج من النير الاستعماري، ولكنه انتهى ينام على سرير عريض مصنوع من الذهب. ومن فقر الغانيين.
كان كوامي نكروما احد الاسماء التي ترن في آذاننا كل يوم. وبرغم الفارق في القامات الفكرية والوطنية، وقف الى جانب نهرو وتيتو وشو ان لاي ثم تاه كما تاه معظم قادة الاستقلال في القارة السمراء. صبوا كل التهم على الاستعمار وذهبوا يسهرون. والبعض اخذ يردد خرافات مضحكة من نوع ان الاستعمار هو الذي قسم افريقيا. والواقع ان افريقيا لم تكن في اي مرحلة منذ ولادتها دولة او دولاً أو اوطانا. كانت وطنا جميلا وغابة رائعة لقبائل تنتقل في ارض ليس فيها ارض واحدة تؤدي إلى اي مكان. وعندما انشأ الرجل الابيض انما انشأها لكي يسهل لنفسه احتلال الشعب وسرقة المناجم. ولم تكن في افريقيا هويات فاصلة ولا لغات تراثية تميز الناس عن بعضها. ولا مؤسسات من اي نوع. كانت قبائل تخاف بعضها البعض وتطارد بعضها البعض وتهرب الى الداخل الكثيف الجميل المليء بالانهار والتماسيح، كما في رواية الطيب صالح الذائعة laquo;موسم الهجرة الى الشمالraquo;. وبسبب التنقل والترحال لم تكن في الداخل الافريقي مدن قديمة مثل اوروبا او الشرق العربي او آسيا. ولذلك ايضاً يقيم كثير من الافريقيين منذ الاستقلال في اراض لم تكن لهم من قبل. ليس في افريقيا نينوى وآشور وبغداد وصور. افريقيا قارة واحدة لعالم من مهاجري الداخل. ميزتها التقاطع وليس الاستمرار. اكواخ تبنى اليوم وتهجر غداً. وحقول تزرع اليوم وتهمل غداً.
لم تعرف افريقيا الطرقات الا في اوائل القرن العشرين. بدل الطرق هناك ممرات. لذلك لا يزال الافارقة يتنقلون مشياً خلف بعضهم البعض. فوق ممر في غابة، حتى لو كانوا على طريق حديث.
كم يبدو لنا اليوم، بعدما حدث لافريقيا، ان قادة الاستقلال لم يفهموا قارتهم حقاً. لقد ورثوا خطوطا وحدوداً استعمارية لم يحاولوا ان يبنوا ضمنها اوطانا حقيقية. كمثل الكونغو ـ برازفيل والكونغو ـ كينشاسا. او كمثل ما حدث لرواندا بين التوتسي والهوتو في احد بشع مجازر التاريخ. حاولت ان التقي نكروما الابن في القاهرة. لكن موعد السفر داهمني. كنت اريد ان اطرح عليه اسئلة كثيرة عن افريقيا. عن قضايا لم نستطع فهمها. عن تدهور رجل من laquo;اوساغيفيوraquo; المنقذ، الى سرير عريض من الذهب في بلد لم يبلغ اللقمة بعد.
التعليقات