عبد الله الناصر


أن يقاد زعيم عربي كالخروف، ويذبح يوم عيد المسلمين، فهذه مذلة تاريخية، تسوّد وجه العرب أجمعين..نعم لقد كان صدام مستبداً، وظالماً ويستحق العقاب.. كل هذا صحيح ولكن العقاب، والحساب، يجب أن يكونا على يدي شعبه، ومن قبل مواطنيه، لا من قبل دولة محتلة غازية..
لقد ضربت أمريكا بكرامة العرب عرض الحائط، وبعثت لهم رسالة دامية قاسية، وعنيفة، ومذلة، فهي تقول لهم أجمعين: إننا نستطيع أن نحتل دياركم، وننهب خيراتكم، ونقتل زعماءكم، ونهينكم في يوم عيدكم ولا نبالي..!!

والحقيقة أن العرب هم وراء هذه المذلات، والاهانات، والمآسي التاريخية.. فقد ضربوا على أنفسهم الذلة والمسكنة فباؤوا بما باؤوا به من موت المروة، وموت العزة، وموت النخوة، والكرامة.. فهم اليوم كما قال عنهم الشاعر الفارسي أبو نواس:

......quot;ليسَ الأعاريبُ عند الله مِن أحَدِquot;..


حقاً ليس الأعاريب عند الله من أحد، ولا عند الناس كذلك.. فقد هانوا، واستكانوا، وآثروا المذلة على الشجاعة.. والخنوع على الفروسية والرجولة..

لقد كنت من أوائل الذين كتبوا ضد صدام، وسياسة صدام، أيام كان صدام رمزاً عربياً يملأ ساحة الإعلام العربي، من محيطه إلى خليجه.. وكم تمنيت أن يطاح به من قبل شعبه، ومواطنيه، ولكن صداماً في أيدي المحتلين، والغزاة، والدخلاء، شيء آخر.. فهو في النهاية زعيم عربي لدولة عربية كانت رمزاً مجيداً في تاريخ الأمة، وحضارتها، والتي ما وطأتها مجنزرات الغزاة، ودباباتهم حتى طار ذلك التاريخ محترقاً في سمائها.. ربما معلناً عن نهاية دولة عريقة تم ترسيخ مجدها مع القادسية، وجلولاء والمدائن، لتتحول اليوم الى نسق جديد يمزق وحدتها الجغرافية، وهويتها العربية، ويحولها الى كتل وأمشاج واخلاطٍ من الهجناء، والشعوبين، والدخلاء، وأعداء الأمة والدين، ويجعل منها وكراً لكل محتل، وفزاعة لكل ذي حسٍ وغيرة عربية..

لقد ذهب صدام -ربما حوله محاكموه والمصفقين يوم قتله من حيث لا يشعرون الى بطل أسطوري.. حيث سار مرفوع الهامة، مشرعاً وجهه للموت والشهادة.. وهو يحيي العراق، والعروبة، وفلسطين-.. وعلى كل حال فالتاريخ سيتحدث عنه بما يتحدث.. وما كان صدام أول من قتل واعدم، ولن يكون بكل تأكيد آخر من يشنق كفرد عربي.. لكنه يظل زعيماً لدولة عربية معترف بزعامتها من كل المؤسسات الدولية، ومن جامعة الدول العربية، وعندما يعتقل ويحاكم من دولة غازية خيوط اللعبة كلها في يدها.. وبشكل مسرحي مضحك، حيث اختزلت المحاكمة في محاولة اغتياله في الدجيل والتي كانت وراءها الاستخبارات الايرانية، ولم تطرح قضية حلبجة واحتلال الكويت مثلاً وهما الأخطر والأهم.. لأن طرحهما سوف يكشف أسراراً خطيرة، فإن القضية برمتها لم تكن سوى تصفية حسابات شخصية، لا علاقة مطلقاً بينها وبين ادعاء العدالة..

أعود إلى القول بأنني لم أكن في يوم من الأيام من المتعاطفين مع صدام.. وصدام قدم إلى ما قدم، وأصبح الآن في ذمة التاريخ، لكنني أشعر بالألم والمهانة لمآل حاكم عربي بهذه الصورة.. لأن هذا تطاول على السيادة العربية كلها.. فهنا وفي هذا الموقف بالذات يتعادل الحاكم والمحكوم، واهانة الحاكم من سلطة غازية هي اهانة للمحكوم مهما كان التناقض بينهما حاداً.. فهذه ظاهرة بربرية قد تطال غير صدام في يوم ما، فالباب أصبح مشرعاً، وربما تنصب مشانق في دول عربية أخرى لزعماء آخرين، وبحجج واهية أخرى، وفي يوم عيد آخر، ونرى من يردد قول الشاعر العرجي:

أجرّرُ في quot;المحاكمquot; كلّ يوم
فيَا لِله مَظلمتيء وَصَبريِ

كأنيّ لَمء أكن فِيهم quot;زَعيمَاًquot;
ولَم تكُ نِسبَتي فِي آل عمروِ

@ العرب اليوم هم مساكين الناس.. وهم من أضعف كائنات الأرض، لأنهم وبكل مهانة لا يمتلكون حق التعبير المعلن عن خوفهم، فضلاً عن الدفاع عن أنفسهم.. فهل يستيقظ العرب، ويتنبهون الى خطورة الأمر، ويحاولون اعادة السيطرة على كرامتهم المفقودة، ويتخذون من هذه المأساة بكل أبعادها درساً وموعظة، وأن يعوا وعياً تاماً أنه لا معوّل على الأجنبي، ولا ثقة فيه، وأنه لا أرض سوف تقيهم ولا سماء، تجعلهم في مأمن من غائلة وخيانة الأعداء، إذا لم يعملوا على الالتحام مع بعضهم شعوباً وحكاماً.. فإن لم يفعلوا ذلك فأظن أن العالم العربي مهدد بأن يتحول كله إلى حظائر من الأغنام التي تقاد إلى مصارعها في أيام النحر والأعياد..