جيم هوغلاند - واشنطن بوست
هذا عمود لم أفكر يوما في كتابته. لم أتوقع يوما أن أقول إن العراقيين أعدموا صدام حسين بطريقة جعلت الديكتاتور السادي يبدو وكأنه شخص نبيل مقارنة بمستوى سلوكهم المنحط في تلك اللحظة. يمكن القول إن سوء إدارة الإعدام تحمل رسالة واضحة للرئيس بوش، عليه أن يستوعبها قبل إلقاء خطابه الحاسم حول العراق أوائل الأسبوع المقبل. الرسالة هي: إذا كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وأعوانه لا يستطيعون التحكم في غرفة إعدام تحتوي على 20 شخصا، فكيف يمكن أن يأملوا في إدارة بلد يمر في طور التفكك تحت ثقل الأحقاد الطائفية والإثنية؟!
هل كان مكتب المالكي متواطئا فيما جرى بغرفة الإعدام، ردا على الفظائع التي ارتكبها صدام حسين ضد حزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي، وضد مؤسسيه بشكل عام؟ أو أن أتباع المالكي فشلوا ـ وهذا احتمال أسوأ ـ في التنبؤ بالنتائج المترتبة عن الإسراع في التخلص من سجينهم المثير للمشاكل؟ وبغض النظر عن مسألة أي احتمال هو الأصدق، فإن النتيجة هي نكسة حادة للاستراتيجية التي تعتمد على الوحدة الوطنية كي تدعم انسحابا نظاميا وآمنا للقوات الأميركية من العراق. والوحدة الوطنية العراقية ـ التي تصورتها إدارة بوش ووضعتها موضع التطبيق لخدمة مصالحها ـ ثبت أنها زائفة. ويواجه بوش الآن إمكانية بروز laquo;حكومةraquo; خاصة بالمتمردين، تعلن عن سيطرتها على محافظة الأنبار وباقي المناطق الواقعة تحت هيمنة السنة العرب خلال أشهر قليلة، مع دعم مفتوح من جيران العراق العرب، إذا استمر المسار الحالي على حاله.
بتحويل الإعدام إلى مناسبة لتصفية حسابات قديمة تمتد لثلاثين سنة، منع جلادو صدام هذه المناسبة من أن تكون صفحة ختامية في فصل من فصول تاريخ العراق. وهم ـ من دون أن يدروا ـ كشفوا عن السياسة المتقلبة المؤذية للولايات المتحدة التي ظلت تفترض باستمرار أن الوحدة الوطنية التي تجمع الأغلبية الشيعية مع الأقلية السنية والقبائل الكردية في الشمال، يمكن أن تحققها واشنطن للعراقيين مجموعة تلو أخرى.
وفيما سعت واشنطن إلى إرضاء السنة من خلال تسويات سياسية وتعديلات دستورية، إما غير ذات معنى أو أنها خارج نطاق قدرة الولايات المتحدة على تنفيذها، جاءت استجابتهم بحملة تقوم على أساس التصويت والقتال في آن بغرض استعادة السلطة كاملة.
تواطؤ الولايات المتحدة في السابق مع صدام ساهم في تزايد مخاوف الشيعة من تخليها عنهم مرة أخرى، وأيضا تزايد رغبتهم في الانتقام والحماية من خلال فظائع انتقامية. وكان مسؤولون أميركيون قد زاروا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كردستان لإطلاع سكان المنطقة الكردية شبه المستقلة على جدوى التخلي عن الكثير من الرخاء والحماية التي تحققت لهم، وذلك من أجل الوحدة الوطنية. ابتسم الأكراد، لكنهم لم يعدوا بشيء.
البيت الأبيض يأمل من جانبه في تشكيل كتلة من الشيعة والأكراد laquo;المعتدلينraquo; في إطار laquo;حل الـ80 في المائةraquo;، الذي لا يشجع على أن يجبر المالكي على التخلي عن تحالف حزب الدعوة الذي ينتمي إليه مع مقتدى الصدر. وبدلا من مساعدة المالكي على الإبقاء على وحدة الشيعة واستيعاب قوات مقتدى الصدر في دور سياسي، أوضح مسؤولون أميركيون أنهم لن يرتاحوا إلا بعد القضاء على مقتدى الصدر.
هذا واحد من أسباب الضرر البالغ للهتافات التي ارتفعت بتمجيد الصدر خلال عملية إعدام صدام، إذ يثبت ذلك العلاقات الوثيقة المستمرة بين حزب الدعوة والصدر، وفشل الولايات المتحدة في تغييرهما. ويواجه بوش الآن وضعا أكثر تعقيدا مما كان عليه عندما أكد تأييده لمساعي الوحدة الوطنية قبل حوالي عام. فإعلانه العزم على إرسال قوات أميركية إضافية إلى العراق قوامها 30 ألف جندي وضابط، سعيا لتحقيق الأوهام، التي ظل يسعى لتحقيقها، لن يؤجل الكارثة. وعليه بدلا من ذلك تحديد أهداف سياسية بعينها.
يقول صديق عراقي، يسكن خارج المنطقة الخاضعة لحماية القوات الأميركية: إن على بوش laquo;إعلان أن الولايات المتحدة ستسلم المنطقة الخضراء للحكومة العراقيةraquo;. هذا الاقتراح الرمزي، الغرض منه تشجيع الولايات المتحدة على التراجع عن محاولة فرض برنامج عمل خارجي على الفصائل العراقية. هذه الفصائل يجب أن يكون لديها الآن توازنها الداخلي الخاص بها، وإلا ستشهد البلد وهو ينقسم بسرعة إلى ثلاثة كيانات متناحرة.
التعليقات